عموم الظالم إذ اللام فيه للجنس قاله مجاهد وأبو رجاء، وقالا: فلان هو كناية عن الشيطان.
وقال ابن عباس وجماعة: * (الظالم) * هنا عقبة بن أبي معيط إذ كان جنح إلى الإسلام وأبي بن خلف هو المكني عنه بفلان، وكان بينهما مخالة فنهاه عن الإسلام فقبل منه. وعن ابن عباس أيضا. عكس هذا القول. قيل وسبب نزولها هو عقبة وأبي. وقيل: كان عقبة خليلا لأمية فأسلم عقبة فقال أمية: وجهي من وجهك حرام إن بايعت محمدا فكفر وارتد لرضا أمية فنزلت قاله الشعبي. وذكر من إساءة عقبة على الرسول ما كان سبب أن قال له الرسول عليه السلام: (لا ألقاك خارجا من مكة إلا علوت رأسك بالسيف). فقتل عقبة يوم بدر صبرا أمر عليا فضرب عنقه، وقتل أبي بن خلف يوم أحد في المبارزة. والمقصود ذكر هول يوم القيامة بتندم الظالم وتمنيه أنه لم يكن أطاع خليله الذي كان يأمره بالظلم وما من ظالم إلا وله في الغالب خليل خاص به يعبر عنه بفلان. والظاهر أن * (الظالم) * * (يعض على يديه) * فعل النادم المتفجع. وقال الضحاك: يأكل يديه إلى المرفق ثم تنبت، ولا يزال كذلك كلما أكلها نبتت. وقيل: هو مجاز عبر به عن التحير والغم والندم والتفجع ونقل أئمة اللغة أن المتأسف المتحزن المتندم يعض على إبهامه ندما وقال الشاعر:
* لطمت خدها بحمر لطاف * نلن منها عذاب بيض عذاب * * فتشكى العناب نور إقاح * واشتكى الورد ناضر العناب * وفي المثل: يأكل يديه ندما ويسيل دمعه دما. وقال الزمخشري: عض الأنامل واليدين والسقوط في اليد وأكل البنان وحرق الأسنان والإرم وفروعها كنايات عن الغيظ والحسرة لأنها من روادفها فتذكر الرادفة. ويدل بها على المردوف فيرتفع الكلام به في طبقة الفصاحة، ويجد السامع عنده في نفسه من الروعة والاستحسان ما لا يجد عند لفظ المكنى عنه انتهى. وقال الشاعر في حرق الناب:
* أبى الضيم والنعمان يحرق نابه * عليه فأفضى والسيوف معاقله * * (يقول) * في موضع الحال أي قائلا * (ياويلتا ليتنى) * فان كانت اللام للعهد فالمعنى أنه تمنى عقبة أن لو صحب النبي صلى الله عليه وسلم) وسلك طريق الحق، وإن كانت اللام للجنس فالمعنى أنه تمنى. سلوك طريق الرسول وهو الإيمان، ويكون الرسول للجنس لأن كل ظالم قد كلف اتباع ما جاء به رسول من الله إلى أن جاءت الملة المحمدية فنسخت جميع الملل، فلا يقبل بعد مجيئه دين غير الذي جاء به. ثم ينادي بالويل والحسرة يقول * (* يا ويلتي) * أي يا هلكاه كقوله * (نفس ياحسرتى على ما فرطت فى جنب الله) *. وقرأ الحسن وابن قطيب * (ياويلتا ليتنى) * بكسر التاء والياء ياء الإضافة وهو الأصل لأن الرجل ينادي ويلته وهي هلكته يقول لها تعالي فهذا أوانك. وقرأت فرقة بالإمالة. قال أبو علي: وترك الإمالة أحسن لأن هذه اللفظة الياء فبدلت الكسرة فتحة والياء ألفا فرارا من الياء فمن أمال رجع إلى الذي عنه فر أولا. وفلان كناية عن العلم وهو متصرف وقل كناية عن نكرة الإنسان نحو: يا رجل وهو مختص بالنداء، وفلة بمعنى يا امرأة كذلك ولام فل ياء أو واو وليس مرخما من فلان خلافا للفراء. ووهم ابن عصفور وابن مالك وصاحب البسيط في قولهم فل كناية عن العلم كفلان. وفي كتاب سيبويه ما قلناه بالنقل عن العرب.
و * (الذكر) * ذكر الله أو القرآن أو الموعظة، والظاهر حمل الشيطان على ظاهره لأنه هو الذي وسوس إليه في مخالة من أضله سماه شيطانا لأنه يضل كما يضل الشيطان ثم خذ له ولم ينفعه في العاقبة. وتحتمل هذه الجملة أن تكون من تمام كلام الظالم، ويحتمل أن تكون إخبارا من كلام الله على جهة الدلالة على وجه ضلالهم والتحذير من الشيطان الذي بلغهم ذلك