تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٤٥٣
كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا * ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا * الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولائك شر مكانا وأضل سبيلا) *)) ) * * (ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا * الملك يومئذ الحق للرحمان وكان يوما على الكافرين عسيرا * ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتنى * ليتنى * اتخذت مع الرسول سبيلا * الرسول سبيلا * ياويلتا ليتنى لم أتخذ فلانا خليلا * لقد أضلنى عن الذكر بعد إذ جاءنى وكان الشيطان للإنسان خذولا * وقال الرسول يارب إن قومى اتخذوا هاذا القرءان مهجورا * وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا * وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرءان جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا * ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا * الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا) *.
قرأ الحرميان وابن عامر * (تشقق) * بإدغام التاء من تتشقق في الشين هنا. وفي ق وباقي السبعة بحذف تلك التاء ويعني يوم القيامة كقوله * (السماء منفطر به) *. وقرأ الجمهور: * (ونزل) * ماضيا مشددا مبنيا للمفعول، وابن مسعود وأبو رجاء * (ونزل) * ماضيا مبنيا للفاعل. وعنه أيضا وأنزل مبنيا للفاعل وجاء مصدره * (تنزيلا) * وقياسه إنزالا إلا أنه لما كان معنى أنزل ونزل واحدا جاز مجيء مصدر أحد ما للآخر كما قال الشاعر:
حتى تطويت انطواء الخصب كأنه قال: حتى انطويت. وقرأ الأعمش وعبد الله في نقل ابن عطية وأنزل ماضيا رباعيا مبنيا للمفعول مضارعه ينزل. وقرأ جناح بن حبيش والخفاف عن أبي عمرو * (ونزل) * ثلاثي ا مخففا مبنيا للفاعل، وهارون عن أبي عمرو وتنزل بالتاء من فوق مضارع نزل مشددا مبنيا للفاعل، وأبو معاذ وخارجة عن أبي عمرو * (ونزل الملائكة) * بضم النون وشد الزاي، أسقط النون من وننزل وفي بعض المصاحف وننزل بالنون مضارع نزل مشددا مبنيا للفاعل. ونسبها ابن عطية لابن كثير وحده قال: وهي قراءة أهل مكة ورويت عن أبي عمرو. وعن أبي أيضا وتنزلت. وقرأ أبي ونزلت ماضيا مشددا مبنيا للمفعول بتاء التأنيث. وقال صاحب اللوامح عن الخفاف عن أبي عمرو: * (ونزل) * مخففا مبنيا للمفعول * (الملائكة) * رفعا، فإن صحت القراءة فإنه حذف منها المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وتقديره: ونزل نزول الملائكة فحذف النزول ونقل إعرابه إلى * (الملائكة) * بمعنى نزول نازل الملائكة لأن المصدر يكون بمعنى الاسم، وهذا مما يجيء على مذهب سيبويه في ترتيب اللازم للمفعول به لأن الفعل يدل على مصدره انتهى.
وقال أبو الفتح: وهذا غير معروف لأن * (نزل) * لا يتعدى إلى مفعول فيبني هنا للملائكة، ووجهه أن يكون مثل زكم الرجل وجن فإنه لا يقال إلا أزكمه الله وأجنه. وهذا باب سماع لا قياس انتهى. فهذه إحدى عشرة قراءة. والظاهر أن الغمام هو السحاب المعهود. وقيل هو الله في قوله * (في ظلل من الغمام) *. وقال ابن جريج: الغمام الذي يأتي الله فيه في الجنة زعموا. وقال الحسن: سترة بين السماء والأرض تعرج الملائكة فيه تنسخ أعمال بني آدم ليحاسبوا. وقيل: غمام أبيض رقيق مثل الضبابة ولم يكن لبني إسرائيل في تيههم، والظاهر أن * (السماء) * هي المظلة لنا. وقيل: تتشقق سماء سماءى قاله مقاتل. والباء باء الحال أي متغيمة أو باء السبب أي بسبب طلوع الغمام منه كأنه الذي تتشقق به السماء كما تقول: شق السنام بالشفرة وانشق بها ونظيره قوله * (السماء منفطر به) * أو بمعنى عن أقوال ثلاثة. والفرق بين الباء السببية وعن أن انشق عن كذا تفتح عنه وانشق بكذا أنه هو الشاق له.
* (ونزل الملائكة) * أي إلى الأرض لوقوع الجزاء والحساب. و * (الحق) * صفة للملك أي الثابت لأن كل ملك يومئذ يبطل، ولا يبقى إلا ملكه تعالى وخبر * (الملك) * * (يومئذ) *. و * (الرحمان) * متعلق بالحق أو للبيان أعني * (للرحمان) *. وقيل: الخبر * (للرحمان) * و * (يومئذ) * معمول للملك. وقيل: الخبر * (الحق) * و * (للرحمان) * متعلق به أو للبيان، وعسر ذلك اليوم على الكافرين بدخولهم النار وما في خلال ذلك من المخاوف. ودل قوله * (على الكافرين) * على تيسيره على المؤمنين ففي الحديث أنه يهون حتى يكون على المؤمن أخف عليه من صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا والظاهر
(٤٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 448 449 450 451 452 453 454 455 456 457 458 ... » »»