تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٤٥١
فى صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه) * واللام في لقد جواب قسم محذوف و * (عتوا) * تجاوزوا الحد في الظلم ووصفه بكبير مبالغة في إفراطه أي لم يجسروا على هذا القول العظيم إلا لأنهم بلغوا غاية الاستكبار وأقصى العتو. وجاء هنا * (عتوا) * على الأصل وفي مريم * (عتيا) * على استثقال اجتماع الواوين والقلب لمناسبة الفواصل. قال ابن عباس * (عتوا) * كفروا أشد الكفر وأفحشوا. وقال عكرمة: تجبروا. وقال ابن سلام: عصوا. وقال ابن عيسى: أسرفوا. قال الزمخشري: هذه الجملة في حسن استيفائها غاية في أسلوبها. ونحوه قول القائل:
* وجارة جساس أبأنا بنابها * كليبا غلت ناب كليب بواؤها * في نحو هذا الفعل دليل على التعجب من غير لفظ تعجب، ألا ترى أن المعنى ما أشد استكبارهم وما أكثر عتوهم وما أغلى نابا بواؤها كليب.
* (يوم يرون الملئكة) * * (يوم) * منصوب ب (اذكر) وهو أقرب أو بفعل يدل عليه * (لا) * أي يمنعون البشرى ولا يعمل فيه * (الملئكة لا بشرى) * لأنه مصدر ولأنه منفي بلا التي لنفي الجنس لأنه لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وكذا الداخلة على الأسماء عاملة عمل ليس، ودخول * (لا) * على * (بشرى) * لانتفاء أنواع البشرى وهذا اليوم الظاهر أنه يوم القيامة لقوله بعد * (وقدمنا إلى ما عملوا) * وعن ابن عباس: عند الموت والمعنى أن هؤلاء الذين اقترحوا نزول الملائكة لا يعرفون ما يكون لهم إذا رأوهم من الشر وانتفاء البشارة وحصول الخسار والمكروه. واحتمل * (بشرى) * أن يكون مبنيا مع * (لا) * واحتمل أن يكون في نية التنوين منصوب اللفظ، ومنع من الصرف للتأنيث اللازم فإن كان مبنيا مع * (لا) * احتمل أن يكون الخبر * (يومئذ) * خبر بعد خبر أو نعت لبشرى، أو متعلق بما تعلق به الخبر، وأن يكون * (فزع يومئذ) * صفة لبشرى، والخبر * (للمجرمين) * ويجيء خلاف سيبويه والأخفش هل الخبر لنفس * (لا) * أو الخبر للمبتدأ الذي هو مجموع * (لا) * وما بني معها؟ وإن كان في نية التنوين وهو معرب جاز أن يكون * (يومئذ) * معمولا لبشرى، وأن يكون صفة، والخبر من الخبر. وأجاز أن يكون * (يومئذ) * و * (للمجرمين) * خبر وجاز أن يكون * (يومئذ) * خبرا و * (للمجرمين) * صفة، والخبر إذا كان الاسم ليس مبنيا لنفس لا بإجماع.
وقال الزمخشري: و * (يومئذ) * للتكرير وتبعه أبو البقاء، ولا يجوز أن يكون تكريرا سواء أريد به التوكيد اللفظي أم أريد به البدل، لأن * (يوم) * منصوب بما تقدم ذكره من اذكر أو من يعدمون البشرى وما بعد * (لا) * العاملة في الاسم لا يعمل فيه ما قبلها وعلى تقديره يكون العامل فيه ما قبل إلا والظاهر عموم المجرمين فيندرج هؤلاء القائلون فيهم. قيل: ويجوز أن يكون من وضع الظاهر موضع الضمير، والظاهر أن الضمير في * (ويقولون) * عائد على القائلين لأن المحدث عنهم كانوا يطلبون نزول الملائكة، ثم إذا رأوهم كرهوا لقاءهم وفزعوا منهم لأنهم لا يلقونهم إلا بما يكرهون فقالوا عند رؤيتهم ما كانوا يقولونه عند لقاء العدو ونزول الشدة وقال معناه مجاهد قال * (حجرا) * عواذا يستعيذون من الملائكة. وقال مجاهد وابن جريج: كانت العرب إذا كرهت شيئا قالوا حجرا. وقال أبو عبيدة: هاتان اللفظتان عوذة للعرب يقولهما من خاف آخر في الحرم أو في شهر حرام إذا لقيه وبينهما ترة انتهى. ومنه قول المتلمس:
* حنت إلى النخلة القصوى فقلت لها * حجر حرام ألا تلك الدهايس أي هذا الذي حننت إليه هو ممنوع، وذكر سيبويه * (حجرا) * في المصادر المنصوبة غير المتصرفة. وقال بعض الرجاز:
*
(٤٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 446 447 448 449 450 451 452 453 454 455 456 ... » »»