تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٤٦٥
يعبدون الأصنام. والظاهر أن * (الكافر) * اسم جنس فيعم. وقيل: هو أبو جهل والآية نزلت فيه. وقال عكرمة * (الكافر) * هنا إبليس والظهير والمظاهر كالمعين والمعاون قاله مجاهد والحسن وابن زيد، وفعيل بمعنى مفاعل كثير والمعنى أن * (الكافر) * يعاون الشيطان على ربه بالعداوة والشريك. وقيل: معناه وكان الذي يفعل هذا الفعل وهو عبادة ما لا ينفع ولا يضر على ربه هينا مهينا من قولهم: ظهرت به إذا خلفته خلف ظهرك لا يلتفت إليه، وهذا نحو قوله * (أولئك لا خلاق لهم) * الآية قاله الطبري. وقيل: * (على ربه) * أي معينا على أولياء الله. وقيل: معينا للمشركين على أن لا يوحد الله.
* (وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا) * سلى نبيه بذلك أي لا تهتم بهم ولا تذهب نفسك عليهم حسرات، وإنما أنت رسول تبشر تبشر المؤمنين بالجنة وتنذر الكفرة بالنار، ولست بمطلوب بإيمانهم أجمعين. ثم أمره تعالى أن يحتج عليهم مزيلا لوجوه التهم بقوله * (قل ما أسألكم عليه من أجر) * أي لا أطلب مالا ولا نفعا يختص بي. والضمير في * (عليه) * عائد على التبشير والإنذار، أو على القرآن، أو على إبلاغ الرسالة أقوال. والظاهر في * (إلا من شاء) * أنه استثناء منقطع وقاله الجمهور. فعلى هذا قيل بعباده * (لكن * من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا) * فليفعل. وقيل: لكن من أنفق في سبيل الله ومجاهدة أعدائه فهو مسؤولي. وقيل: هو متصل على حذف مضاف تقديره: إلا أجر من اتخذ إلى ربه سبيلا أي إلا أجر من آمن أي الأجر الحاصل لي على دعائه إلى الإيمان وقبوله، لأنه تعالى يأجرني على ذلك. وقيل: إلا أجر من آمن من يعني بالأجرة الإنفاق في سبيل الله أي لا أسألكم أجرا إلا الإنفاق في سبيل الله، فجعل الإنفاق أجرا.
ولما أخبر أنه فطم نفسه عن سؤالهم شيئا أمره تعالى تفويض أمره إليه وثقته به واعتماده عليه فهو المتكفل بنصره وإظهار دينه. ووصف تعالى نفسه بالصفة التي تقتضي التوكل في قوله * (الحى الذى لا يموت) * لأن هذا المعنى يختص به تعالى دون كل حي كما قال * (كل شىء هالك إلا وجهه) *. وقرأ بعض السلف هذه الآية فقال: لا يصح لذي عقل أن يثق بعدها بمخلوق، ثم أمره بتنزيهه وتمجيده مقرونا بالثناء عليه لأن التنزيه محله اعتقاد القلب والمدح محله اللسان الموافق للأعتقاد. وفي الحديث: (من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر. وهي الكلمتان الخفيفتان على اللسان الثقيلتان في الميزان).
* (وكفى به بذنوب عباده خبيرا) * أراد أنه ليس إليه من أمور عباده شيء آمنوا أم كفروا، وأنه خبير بأحوالهم كاف في جزاء أعمالهم. وفي هذه الجملة تسلية للرسول ووعيد للكافر. وفي بعض الأخبار كفى بك ظفرا أن يكون عدوك عاصيا وهي كلمة يراد بها المبالغة تقول: كفى بالعلم جمالا. وكفى بالأدب مالا، أي حسبك لا تحتاج معه إلى غيره لأنه خبير بأحوالهم قادر على مكافأتهم.
ولما أمره بالتوكل والتسبيح وذكر صفة الحياة الدائمة ذكر ما دل على القدرة التامة وهو إيجاد هذا العالم. وتقدم الكلام في نظير هذا الكلام واحتمل * (الذى) * أن يكون صفة للحي الذي لا يموت. ويتعين على قراءة زيد بن علي * (الرحمان) * بالجر وأما على قراءة الجمهور * (الرحمان) * بالرفع فإنه يحتمل أن يكون * (الذى) * صفة للحي و * (الرحمان) * خبر مبتدأ محذوف. ويحتمل أن يكون * (الذى) * مبتدأ و * (الرحمان) * خبره. وأن يكون * (الذى) * (سقط: منصوبا على إضمار أعني، ويجوز على مذاهب الأخفش أن يكون الرحمن مبتدأ وفاسأل خبره تخريجه على حده قول الشاعر وقائلة خولا فانكح فتاتهم، وجوزوا أيضا في الرحمن أن يكون بدلا من الضمير المستكين في استوى والظاهر: تعلق به بقوله فاسأل وبقاء الباء غير مضمنة معنى عن، وخبيرا من صفات الله، كما نقول لقيت بزيد أسدا ولقيت بزيد البحر تريد: أنه هو الأسد شجاعة والبحر رما، والمعنى أنه تعالى اللطيف العالم الخبير، والمعنى فاسأل الله الخبير بالأشياء)
(٤٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 460 461 462 463 464 465 466 467 468 469 470 ... » »»