تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٤٥٧
لهم أن يصيبهم ما أصاب الأمم السابقة من هلاك الاستئصال لما كذبوا رسلهم، فناسب أن ذكر أولا من نزل عليه كتابه جملة واحدة ومع ذلك كفروا وكذبوا به فكذلك هؤلاء لو نزل عليه القرآن دفعة لكذبوا وكفروا كما كذب قوم موسى.
و * (الكتاب) * هنا التوراة و * (هارون) * بدل أو عطف بيان، واحتمل أن يكون معه المفعول الثاني لجعلنا. وأن يكون * (وزيرا) * والوزارة لا تنافي النبوة فقد كان في الزمان الواحد أنبياء يوازر بعضهم بعضا، والمذهوب إليهم القبط وفرعون. وفي الكلام حذف أي فذهبا وأديا الرسالة فكذبوهما * (فدمرناهم) * والتدمير أشد الإهلاك وأصله كسر الشيء على وجه لا يمكن إصلاحه. وقصة موسة ومن أرسل إليه ذكرت منتهية في غير ما موضع وهنا اختصرت فأوجز بذكر أولها وآخرها لأنه بذلك يلزم الحجة ببعثة الرسل واستحقاق التدمير بتكذيبهم.
وقرأ علي والحسن ومسلمة بن محارب: فدمراهم على الأمر لموسى وهارون، وعن علي أيضا: إلا أنه مؤكد بالنون الشديدة. وعنه أيضا فدمرا أمرا لهما بهم بباء الجر، ومعنى الأمر كونا سبب تدميرهم.
وانتصب * (وقوم نوح) * على الاشتغال وكان النصب أرجح لتق / م الجمل الفعلية قبل ذلك، ويكون * (لما) * في هذا الإعراب ظرفا على مذهب الفارسي. وأما إن كانت حرف وجوب لوجوب فالظاهر أن * (أغرقناهم) * جواب لما فلا يفسر ناصبا لقوم فيكون معطوفا على المفعول في * (فدمرناهم) * أو منصوبا على مضمر تقديره اذكر. وقد جوز الوجوه الثلاثة الحوفي.
* (لما كذبوا الرسل) * كذبوا نوحا ومن قبله أو جعل تكذيبهم لنوح تكذيبا للجميع، أو لم يروا بعثه الرسل كالبراهمة والظاهر عطف * (وعادا) * على و * (قوم) *. وقال أبو إسحاق: يكون معطوفا على الهاء والميم في * (وجعلناهم للناس ءاية) *. قال: ويجوز أن يكون معطوفا على * (الظالمين) * لأن التأويل وعدنا الظالمين بالعذاب ووعدنا * (عادا * وثمودا * وقرا * عبد الله * بلدة ميتا كذالك الخروج * كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس) *. قال ابن عباس: هم قوم ثمود ويبعده عطفه على ثمود لأن العطف يقتضي التغاير. وقال قتادة: أهل قرية من اليمامة يقال ها الرس والفلج. قيل: قتلوا نبيهم فهلكوا وهم بقية ثمود وقوم صالح. وقال كعب ومقاتل والسدي بئر بأنطاكية الشام قتل فيها صاحب ياسين وهو حبيب النجار. وقيل: قتلوا نبيهم ورسوه في بئر أي دسوه فيه.
وقال وهب الكلبي * (أصحاب * الرس) * وأصحاب الأيكة قومان أرسل إليهما شعيب أرسل إلى أصحاب الرس وكانوا قوما من عبدة الأصنام وأصحاب آبار ومواش، فدعاهم إلى الإسلام فتمادوا في طغيانهم وفي إيذائه فبينما هم حول الرس وهي البئر غير المطوية. وعن أبي عبيدة انهارت بهم فخسف بهم وبدارهم. وقال علي فيما نقله الثعلبي: قوم عبدوا شجرة صنوبر يقال لها شاه درخت رسوا نبيهم في بئر حفروه له في حديث طويل. وقيل: هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) حنظلة بن صفوان كانوا مبتلين بالعنقاء وهي أعظم ما يكون من الطير، سميت بذلك لطول عنقها وكانت تسكن جبلهم الذي يقال له فج وهي تنقض على صبيانهم فتخطفهم إن أعوزها الصيد فدعا عليها حنظلة فأصابتها الصاعقة ثم إنهم قتلوا حنظلة فأهلكوا. وقيل: الرس هم أصحاب الأخدود والرس الأخدود. وقال ابن عباس: الرس بئر أذربيجان. وقيل: الرس ما بين نجران إلى اليمن إلى حضرموت. وقيل: قوم بعث الله إليهم أنبياء فقتلوهم ورسوا عظامهم في بئر. وقيل: قوم بعث إليهم نبي فأكلوه. وقيل: قوم نساؤهم سواحق. وقيل: الرس ماء ونخل لبني أسد. وقيل: الرس نهر من بلاد المشرق بعث الله إليهم نبيا من إولاد يهوذا ابن يعقوب فكذبوه فلبث فيهم زمانا فشكا إلى الله منهم فحفروا له بئرا وأرسلوه فيها، وقالوا: نرجو أن يرضى عنا إلهنا فكانوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم، فدعا بتعجيل قبض روحه فمات وأضلتهم سحابة سوداء أذابتهم كما يذوب الرصاص.
وروى عكرمة ومحمد بن كعب القرظي عن النبي صلى الله عليه وسلم) (أن أهل الرس أخذوا نبيهم فرسوه في بئر وأطبقوا عليه صخرة فكان عبد أسود آمن به يجيء بطعام إلى تلك البئر فيعينه الله على تلك الصخرة فيقلها فيعطيه ما يغذيه به. ثم يرد الصخة، إلى أن ضرب الله يوما على أذن ذلك الأسود بالنوم أربع عشرة سنة وأخرج أهل القرية نبيهم فآمنوا به). في حديث طويل. قال الطبري: فيمكن أنهم كفروا بعد ذلك فذكرهم الله في هذه الآية وكثر الاختلاف في أصحاب الرس، فلو صح ما نقله عكرمة ومحمد بن كعب كان هو القول الذي لا يمكن خلافه
(٤٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 452 453 454 455 456 457 458 459 460 461 462 ... » »»