أمر أن يكتب كقولهم احتجم وافتصد إذا أمر بذلك. * (فهى تملى عليه) * أي تلقى عليه ليحفظها لأن صورة الإلقاء على المتحفظ كصورة الإملاء على الكاتب.
و * (أساطير الاولين) * خبر مبتدأ محذوف أي هو أو هذه * (أساطير) * و * (اكتتبها) * خبر ثان، ويجوز أن يكون * (أساطير) * مبتدأ و * (اكتتبها) * الخبر. وقرأ الجمهور * (اكتتبها) * مبنيا للفاعل. وقراءة طلحة مبنيا للمفعول والمعنى * (اكتتبها) * كاتب له لأنه كان أميا لا يكتب بيده وذلك من تمام إعجازه، ثم حذفت اللام فأفضى الفعل إلى الضمير فصار * (اكتتبها) * إياه كاتب كقوله * (واختار موسى قومه) * ثم بنى الفعل للضمير الذي هو إياه فانقلب مرفوعا مستترا بعد أن كان بارزا منصوبا وبقي ضمير الأساطير على حاله، فصار * (اكتتبها) * كما ترى انتهى. وهو من كلام الزمخشري ولا يصح ذلك على مذهب جمهور البصريين لأن * (اكتتبها) * له كاتب وصل فيه اكتتب لمفعولين أحدهما مسرح وهو ضمير الأساطير، والآخر مقيد وهو ضميره عليه السلام. وثم اتسع في الفعل فحذف حرف الجر فصار * (اكتتبها) * إياه كاتب فإذا بني هذا الفعل للمفعول إنما يتوب عن الفاعل المفعول المسرح لفظا وتقديرا لا المسرح لفظا المقيد تقديرا، فعلى هذا كان يكون التركيب اكتتبته لا * (اكتتبها) * وعلى هذا الذي قلناه جاء السماع عن العرب في هذا النوع الذي أحد المفعولين فيه مسرح لفظا وتقديرا والآخر مسرح لفظا لا تقديرا. قال الشاعر وهو الفرزدق:
* ومنا الذي اختير الرجال سماحة * وجودا إذا هب الرياح الزعازع * ولو جاء على ما قرره الزمخشري لجاء التركيب ومنا الذي اختيره الرجال لأن اختار تعدى إلى الرجال على إسقاط حرف الجر إذ تقديره اختير من الرجال. والظاهر أن قوله * (اكتتبها فهى تملى عليه بكرة وأصيلا) * من تمام قول الكفار. وعن الحسن أنه قول الله سبحانه بكذبهم وإنما يستقيم أن لو فتحت الهمزة في * (اكتتبها) * للاستفهام الذي في معنى الإنكار، ووجهه أن يكون نحو قوله:
* أفرح إن أرزأ الكرام وإن * آخذ ذودا شصايصا نبلا * وحق للحسن أن يقف على الأولين. والظهير تقييد الإملاء بوقت انتشار الناس وحين الإيواء إلى مساكنهم وهما البكرة والأصيل، أو يكونان عبارة عن الديمومة. وقرأ طلحة وعيسى فهي تتلى بالتاء بدل الميم.
* (قل أنزله الذى يعلم السر) * أي كل سر خفي، ورد عليهم بهذا وهو وصفه تعالى بالعلم لأن هذا القرآن لم يكن ليصدر إلا من علام بكل المعلومات لما احتوى عليه من إعجاز التركيب الذي لا يمكن صدوره من أحد، ولو استعان بالعالم كلهم ولاشتماله على مصالح العالم وعلى أنواع العلوم واكتفى بعلم السر لأن ما سواه أولى أن يتعلق علمه به، أو * (يعلم) * ما تسرون من الكيد لرسوله مع علمكم ببطل ما تقولون فهو مجازيكم * (إنه كان غفورا رحيما) * إطماع في أنهم إذا تابوا غفر لهم ما فرط من كفرهم ورخمهم. أو * (غفورا رحيما) * في كونه أمهلكم ولم يعاجلكم على ما استوجبتموه من العقاب بسبب مكابرتكم، أو لما تقدم ما يدل على العقاب أعقبه بما يدل على القدرة عليه لأن المتصف بالغفران والرحمة قادر على أن يعاقب.
* (وقالوا) * الضمير لكفار قريش، وكانوا قد جمعهم والرسول مجلس مشهور ذكره ابن إسحاق في السير فقال عتبة وغيره: إن كنت تحب الرئاسة وليناك علينا أو المال جمعنا لك، فلما أبي عليهم اجتمعوا عليه فقالوا: مالك وأنت رسول من الله تأكل الطعام وتقف بالأسواق لالتماس الرزق سل ربك أن ينزل معك ملكا ينذر معك، أو يلقي إليك كنزا تنفق منه، أو يرد لك جبال مكة ذهبا وتزال الجبال، ويكون مكانها جنات تطرد فيها المياه وأشاعوا هذه المحاجة فنزلت الآية.