تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٤٤٧
قرأ أبو جعفر والأعرج وابن كثير وحفص * (يحشرهم) * و * (فيقول) * بالياء فيهما. وقرأ الحسن وطلحة وابن عامر بالنون فيهما. وقرأ باقي السبعة في نحشرهم بالنون وفي * (فيقول) * بالياء. وقرأ الأعرج * (يحشرهم) * بكسر الشين. قال صاحب اللوامح في كل القرآن وهو القياس في الأفعال المتعدية الثلاثية لأن يفعل بضم العين قد يكون من اللازم الذي هو فعل بضمها في الماضي. وقال ابن عطية: وهي قليلة في الاستعمال قوية في القياس لأن يفعل بكسر العين المتعدي أقيس من يفعل بضم العين انتهى. وهذا ليس كما ذكر إبل فعل المتعدي الصحيح جميع حروفه إذا لم يكن للمبالغة ولا حلقي عين ولا لام فإنه جاء على يفعل ويفعل كثيرا، فإن شهر أحد الاستعمالين اتبع وإلا فالخيار حتى أن بعض أصحابنا خير فيهما سمعا للكلمة أو لم يسمعا.
* (وما يعبدون) * قال الضحاك وعكرمة: الأصنام التي لا تعقل يقدرها الله على هذه المقالة من الجواب. وقال الكلبي: يحيي الله الأصنام يومئذ لتكذيب عابديها. وقال الجمهور: من عبد ممن يعقل ممن لم يأمر بعبادته كالملائكة وعيسى وعزير وهو الأظهر كقوله * (أضللتم عبادى) * وما بعده من المحاورة التي ظاهرها أنها لا تصدر إلا من العقلاء، وجاء ما يشبه ذلك منصوصا في قوله * (ثم * تقول * للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون) * * (قلت للناس اتخذونى وأمى إلاهين من دون الله قال) * وسؤاله تعالى وهو عالم بالمسؤول عنه ليجيبوا بما أجابوا به فيبكت عبدتهم بتكذيبهم إياهم فيزيد حسرتهم ويسر المؤمنون بحالهم ونجاتهم من فضيحة أولئك، وليكون حكاية ذلك في القرآن لطفا للمكلفين. وجاء الاستفهام مقدما فيه الاسم على الفعل ولم يأت التركيب * (* أأضللتم) * ولا أضلوا لأن كلا من الإضلال والضلال واقع والسؤال إنما هو من فاعله. وتقدم نظير هذا في * (قالوا ءأنت فعلت هاذا بئالهتنا * إبراهيم) * وقال الزمخشري: وفيه كسر بين لقول من يزعم أن الله يضل عباده على الحقيقة حيث يقول للمعبودين من دونه * (أضللتم عبادى) * أم ضلوا بأنفسهم فيتبرؤون من ضلالهم ويستعيذون به أن يكونوا مضلين ويقولون: بل أنت تفضلت من غير سابقة على هؤلاء وآبائهم تفضل جواد كريم، فجعلوا الرحمة التي حقها أن تكون سبب الشكر سبب الكفر ونسيان الذكر وكان ذلك سبب هلاكهم فإذا تبرأت الملائكة والرسل أنفسهم من نسبة الضلال الذي هو عمل الشياطين إليهم واستعاذوا منهم فهم لربهم الغنى العدل أشد تبرئة وتنزيها منه، ولقد نزهوه حين أضافوا إليه التفضل بالنعمة والتمتيع بها. وأسندوا نسيان الذكر والتسبب به للبوار إلى الكفرة فشرحا الإضلال المجازي الذي أسنده الله إلى ذاته في قوله * (يضل من يشاء) * ولو كان هو المضل على الحقيقة لكان الجواب العتيد أن يقولوا بل أنت أضللتم انتهى. وهو على طريقة المعتزلة.
والمعنى * (أءنتم) * أوقعتم هؤلاء ونسبتم لهم في إضلالهم عن الحق، أم * (ضلوا) * بأنفسهم عنه. ضل أصله أن يتعدى بعن كقوله * (من يضل عن سبيله) * ثم أتسع فحذف، وأضله عن السبيل كما أن هدى يتعدى بإلى ثم يحذف ويضل مطاوع أضل كما تقول: أقعدته فقعد. و * (سبحانك) * تنزيه لله تعالى أن يشرك معه في العبادة أحد أو يفرد بعبادة فأنى لهم أن يقع منهم إضلال أحدوهم المنزهون المقدسون، أن يكون أحد منهم ندا وهو المنزه عن الند والنظير.
وقال الزمخشري: * (سبحانك) * تعجب منهم مما قيل لأنهم ملائكة وأنبياء معصومون فما أبعدهم عن الإضرل الذي هو مختص بإبليس وحزبه انتهى.
وقرأ علقمة ما ى نبغي بسقوط كان وقراءة الجمهور بثبوتها أمكن في المعنى لأنهم أخبروا عن حال كانت في الدنيا ووقت الإخبار لا عمل فيه. وقرأ أبو عيسى الأسود القاري * (ينبغى لنا) * مبنيا للمفعول. وقال ابن خالويه: زعم سيبويه أن ينبغي لغة.
وقرأ الجمهور: * (أن نتخذ) * مبنيا للفاعل و * (من أولياء) * مفعول على زيادة * (من) * وحسن زيادتها انسحاب النفي على * (نتخذ) * لأنه معمول لينبغي. وإذا انتفى الابتغاء لزم منه انتفاء متعلقة وهو اتخاذ ولي من دون الله. ونظيره * (ما يود
(٤٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 442 443 444 445 446 447 448 449 450 451 452 ... » »»