وزيادة المثوبة الحسنى، وزيادة عليها من التفضل وعطاء الله عز وجل إما تفضل وإما ثواب وإما عوض.
* (والله يرزق من يشاء) * ما يتفضل به * (بغير حساب) * فأما الثواب فله حسنات لكونه على حسب الاستحقاق انتهى. وفي قوله على حسب الاستحقاق دسيسة اعتزال.
2 (* (والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن مآء حتى إذا جآءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب * أو كظلمات فى بحر لجى يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذآ أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) *)) 2 لما ذكر تعالى حالة الإيمان والمؤمنين وتنويره قلوبهم ووصفهم بما وصفهم من الأعمال النافعة في الآخرة أعقب ذلك بذكر مقابلهم الكفرة وأعمالهم، فمثل لهم ولأعمالهم مثلين أحدهما يقتضي بطلان أعمالهم في الآخرة وأنهم لا ينتفعون بها. والثاني يقتضي حالها في الدنيا من ارتباكها في الضلال والظلمة شبه أولا أعمالهم في اضمحلالها وفقدان ثمرتها بسراب في مكان منخفض ظنه العطشان ماء فقصده وأتعب نفسه في الوصول إليه. * (حتى إذا جاءه) * أي جاء موضعه الذي تخيله. فيه * (لم يجده شيئا) * أي فقده لأنه مع الدنو لا يرى شيئا. كذلك الكافر يظن أن عمله في الدنيا نافعه حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم ينفعه عمله بل صار وبالا عليه.
وقرأ مسلمة بن محارب: بقيعات بتاء ممطوطة جمع قيعة كديمات وقيمات في ديمة وقيمة، وعنه أيضا بتاء شكل الهاء ويقف عليها بالهاء فيحتمل أن يكون جمع قيعة، ووقف بالهاء على لغة طيء كما قالوا البناه والأخواه في الوقف على البنات والأخوات. قال صاحب اللوامح: ويجوز أن يريد قيعة كالعامة أي كالقراءة العامة، لكنه أشبع الفتحة فتولدت منها الألف مثل مخر نبق لينباع. وقال الزمخشري: وقد جعل بعضهم بقيعات بتاء ممدودة كرجل عزهاة. وقال صاحب اللوامح: ويجوز أنه جعله مثل سعلة وسعلاة وليلة وليلاة، والقيعة مفرد مرادف للقاع أو جمع قاع كنار ونيرة، فتكون على هذا قراءة قيعات جمع صحة تناول جمع تكسير مثل رجالات قريش وجمالات صفر.
وقرأ شيبة وأبو جعفر ونافع بخلاف عنهما * (الظمان) * بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى الميم، والظاهر أن قوله * (يحسبه الظمان) * هو من صفات السراب ولا يعني إلا مطلق * (الظمان) * لا الكافر * (الظمان) * وقال الزمخشري: شبه ما يعمله من لا يعتقد الإيمان ولا يتبع الحق من الأعمال الصالحة التي يحسبها أن تنفعه عند الله وتنجيه من عذابه يوم القيامة، ثم يخيب في العاقبة أمله ويلقى خلاف ما قدر بسراب يراه الكافر بالساهرة وقد غلبه عطش يوم القيامة فيحسبه ماء، فيأتيه فلا يجد ما رجاه ويجد ربانية الله عنده، يأخذونه ويعتلونه ويسقونه الحميم والغساق وهم الذين قال الله فيهم * (عاملة ناصبة) * * (وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) * * (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) *. وقيل: نزلت في عتبة بن ربيعة بن أمية كان قد تعبد ولبس المسوح والتمس الدين في الجاهلية ثم كفر في الإسلام انتهى. فجعل * (الظمان) * هو الكافر حتى تطرد الضمائر في * (جاءه) * و * (لم يجده) * * (ووجد) * و * (عنده) * و * (فوفاه) * لشخص واحد، وغيره غاير بين الضمائر فالضمير في * (جاءه) * و * (لم يجده) * للظمآن. وفي * (ووجد) * للكافر الذي ضرب له مثلا بالظمآن، أي ووجد هذا الكافر وعد الله بالجزاء على عمله بالمرصاد * (فوفاه حسابه) * عمله الذي جازاه عليه. وهذا معنى قول أبي وابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وأفرد الضمير في * (ووجد) * بعد تقدم الجمع حملا على كل واحد من الكفار.
وقال ابن عطية: يحتمل أن يعود الضمير في * (جاءه) * على السراب. ثم في الكلام متروك كثير يدل عليه الظاهر تقديره وكذلك الكافر يوم القيامة يظن عمله نافعا * (حتى إذا جاءه لم يجده شيئا) * ويحتمل الضمير أن يعود على العمل الذي يدل عليه قوله * (أعمالهم) * ويكون تمام المثل في قوله * (ماء) * ويستغني الكلام عن متروك على هذا التأويل، لكن يكون في المثل إيجاز واقتضاب لوضوح المعنى المراد به.
* (ووجد الله عنده) * أي بالمجازاة، والضمير في * (عنده) * عائد على العمل انتهى. والذي يظهر لي أنه تعالى شبه أعمالهم في عدم انتفاعهم بها بسراب صفته كذا، وأن الضمائر فيما بعد * (الظمان) * له. والمعنى في * (ووجد الله عنده) * أي * (ووجد) * مقدور * (الله) * عليه من هلاك بالظمأ * (عنده) * أي عند موضع السراب * (فوفاه) * ما كتب له من ذلك. وهو المحسوب له، والله معجل حسابه لا يؤخره عنه فيكون الكلام متناسقا آخذا بعضه