تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٢٩
وقال الزمخشري: هذا تمثيل لمنع الشحيح وإعطاء المسرف، أمر بالاقتصاد الذي هو بين الإسراف والاقتار انتهى. والظاهر أنه مراد بالخطاب أمة الرسول صلى الله عليه وسلم) وإلا فهو صلى الله عليه وسلم) كان لا يدخر شيئا لغد، وكذلك من كان واثقا بالله حق الوثوق كأبي بكر حين تصدق بجميع ماله. وقال ابن جريج وغيره: المعنى لا تمسك عن النفقة فيما أمرتك به من الحق * (ولا تبسطها) * فيما نهيتك عنه وروي عن قالون: كل البصط بالصاد فتقعد جواب للهيئتين باعتبار الحالين، فالملوم راجع لقوله: * (ولا تجعل يدك) *. كما قال الشاعر:
* إن البخيل ملوم حيث كان * ولكن الجواد على علاته هرم * والمحسور راجع لنوله * (ولا تبسطها) * وكأنه قيل فتلام وتحسر، ثم سلاه تعالى عما كان يلحقه من الإضافة بأن ذلك ليس بهوان منك عليه ولا لبخل به عليك، ولكن لأن بسط الرزق وتضييقه إنما ذلك بمشيئته وإرادته لما يعلم في ذلك من المصلحة لعباده، أو يكون المعنى القبض والبسط من مشيئة الله، وأما أنتم فعليكم الاقتصاد وختم ذلك بقوله * (خبيرا) * وهو العلم بخفيات الأمور و * (بصيرا) * أي بمصالح عباده حيث يبسط لقوم ويضيق على قوم.
* (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا) *.
لما بين تعالى أنه هو المتكفل بأرزاق العباد حيث قال * (إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) * أتبعه بالنهي عن قتل الأولاد، وتقدم تفسير نظير هذه الآية، والفرق بين * (خشية إملاق) * ومن إملاق وبين قوله: * (نرزقهم) * ونرزقكم. وقرأ الأعمش وابن وثاب: * (ولا تقتلوا) * بالتضعيف. وقرئ * (خشية) * بكسر الخاء، وقرأ الجمهور * (* خطأ) * بكسر الخاء وسكون الطاء. وقرأ ابن كثير بكسرها وفتح الطاء والمد، وهي قراءة طلحة وشبل والأعمش ويحيى وخالد بن إلياس وقتادة والحسن والأعرج بخلاف عنهما. وقال النحاس: لا أعرف لهذه القراءة وجها ولذلك جعلها أبو حاتم غلطا. وقال الفارسي: هي مصدر من خاطأ يخاطىء وإن كنا لم نجد خاطأ ولكن وجدنا تخاطأ وهو مطاوع خاطأ، فدلنا عليه فمنه قول الشاعر:
* تخاطأت النبل أخشاه * وأخر يومي فلم يعجل * وقول الآخر في كمأة * تخاطأه القناص حتى وجدته * وخرطومه في منقع الماء راسب * فكان هؤلاء الذين يقتلون أولادهم يخاطئون الحق والعدل. وقرأ ابن ذكوان * (* خطأ) * على وزن نبأ. وقرأ الحسن خطاء بفتحهما والمد جعله اسم مصدر من أخطأ كالعطاء من أعطى قاله ابن جني. وقال أبو حاتم: هي غلط غير جائز ولا؛ يعرف هذا في اللغة، وعنه أيضا خطى كهوى خفف الهمزة فانقلبت ألفا وذهبت لالتقائهما. وقرأ أبو رجاء والزهري كذلك إلا أنهما كسرا الخاء فصار مثل ربا وكلاهما من خطىء في الدين وأخطأ في الرأي، لكنه قد يقام كل واحد منهما مقام الآخر وجاء عن ابن عامر * (* خطأ) * بالفتح والقصر مع إسكان الطاء وهو مصدر ثالث من خطىء بالكسر.
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»