تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٣٣٥
* علفتها تبنا وماء باردا أي وسقيتها ماء. والظاهر أن الضمير في * (بها ولهم) * عائد على الكفار، واللام للاستحقاق. وقيل: بمعنى على أي وعليهم كقوله * (ولهم اللعنة) * أي وعليهم. وقيل: الضمير يعود على ما يفسره المعنى وهو الزبانية. وقال قوم منهم الضحاك: المقامع المطارق. وقيل: سياط من نار وفي الحديث: (لو وضع مقمع منها في الأرض مث اجتمع عليه الثقلان ما أقلوه من الأرض) * (ومن * غم) * بد من منها بدل اشتمال، أعيد معه الجار وحذف الضمير لفهم المعنى أي من غمها، ويحتمل أن تكون من للسبب أي لأجل الغم الذي يلحقهم، والظاهر تعليق الإعادة على الإرادة للخروج فلا بد من محذوف يصح به المعنى، أي من أماكنهم المعدة لتعذيبهم * (أعيدوا فيها) * أي في تلك الأماكن. وقيل * (أعيدوا فيها) * بضرب الزبانية إياهم بالمقامع * (وذوقوا) * أي ويقال لهم ذوقوا.
* ولما ذكر تعالى ما أعد لأحد الخصمين من العذاب ذكر ما أعد من الثواب للخصم الآخر. وقرأ الجمهور * (يحلون) * بضم الياء وفتح الحاء وتشديد الللام. وقىء بضم الياء والتخفيف. وهو بمعنى المشدد. وقرأ ابن عباس * (يحلون) * بفتح الياء واللام وسكون الحاء من قولهم: حلى الرجل وحليت المرأة إذا صارت ذات حلي والمرأة ذات حلي والمرأة حال. وقال أبو الفضل الرازي: يجوز أن يكون من حلي يعيني يحلى إذا استحسنته، قال فتكون * (من) * زائدة فيكون المعنى يستحسنون فيها الأساورة الملبوسة انتهى. وهذا ليس بجيد لأنه جعل حلى فعلا متعديا ولذلك حكم بزيادة * (من) * في الواجب وليس مذهب البصريين، وينبغي على هذا التقدير أن لا يجوز لأنه لا يحفظ لازما فإن كان بهذا المعنى كانت * (من) * للسبب أي بلباس أساور الذهب يحلون بعين من يراهم أي يحلى بعضهم بعين بعض. قال أبو الفضل الرازي: ويجوز أن تكون * (من) * حليت به إذا ظفرت به، فيكون المعنى * (يحلون فيها) * بأساور فتكون * (من) * بدلا من الباء، والحلية من ذلك فإما إذا أخذته من حليت به فإنه الحلية، وهو من الياء وإن أخذته من حلي بعيني فإنه من الحلاوة من الواو انتهى. ومن معنى الظفر قولهم: لم يحل فلان بطائل، أي لم يظفر. والظاهر أن * (من) * في * (من أساور) * للتبعيض وفي * (من ذهب) * لابتداء الغاية أي أنشئت من ذهب.
وقال ابن عطية: * (من) * في * (من أساور) * لبيان الجنس، ويحتمل أن تكون للتبيعض. وتقدم الكلام على نظير هذه الجملة في الكهف. وقرأ ابن عباس من أسور بفتح الراء من غير ألف ولا هاء، وكان قياسه أن يصرفه لأنه نقص بناؤه فصار كجندل لكنه قدر المحذوف موجودا فمنعه الصرف. وقرأ أصم ونافع والحسن والجحدري والأعرج وأبو جعفر وعيسى بن عمر وسلام ويعقوب * (ولؤلؤا) * هنا وفي فاطر بالنصب وحمله أبو الفتح على إضمار فعل وقدره الزمخشري ويؤتون * (لؤلؤا) * ومن جعل * (من) * في * (من أساور) * زائدة جاز أن يعطف * (ولؤلؤا) * على موضع * (أساور) * وقيل يعطف على موضع * (من أساور) * لأنه يقدر و * (يحلون) * حليا * (من أساور) *. وقرأ باقي السبعة والحسن أيضا وطلحة وابن وثاب والأعمش. وأهل مكة ولؤلؤ بالخفض عطفا على * (أساور) * أو على * (ذهب) * لأن السوار يكون من ذهب ولؤلؤ، يجمع بعضه إلى بعض.
قال الجحدري: الألف ثابتة بعد الواو في الإمام. وقال الأصمعي: ليس فيها ألف، وروى يحيى عن أبي بكر همز الأخير وإبدال الأولى. وروى المعلى بن منصور عنه ضد ذلك. وقرأ الفياض: ولوليا قلب الهمزتين واوا صارت الثانية واوا قبلها ضمة، عمل فيها ما عمل في أدل من قلب الواو ياء والضمة قبلها كسرة. وقرأ ابن عباس وليليا أبدل المهمزتين واوين ثم قلبهما ياءين اتبع الأولى للثانية. وقرأ طلحة ولول مجرورا عطفا على ما عطف عليه المهموز.
* (والطيب * من القول) * إن كانت الهداية في الدنيا فهو قول لا إله إلا الله، والأقوال الطيبة من الأذكار وغيرها، ويكون الصراط طريق الإسلام وإن كان إخبارا عما يقع منهم في الآخرة فهو قولهم: الحمد لله الذي صدقنا وعده وما أشبه ذلك من محاورة أهل الجنة، ويكون الصراط الطريق إلى الجنة. وعن ابن عباس: هو لا إله إلا الله والحمد لله زاد ابن زيد والله أكبر. وعن السدي القرآن. وحكى
(٣٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 340 ... » »»