صغيرا أقوال خمسة، والمضاف إليه من قبل محذوف وهو معرفة ولذلك بنى * (قبل) * أي * (من قبل) * موسى وهارون قاله الضحاك كقوله في الأنعام * (ونوحا هدينا من قبل) * أي من قبل إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وأبعد من ذهب إلى أن التقدير * (من قبل) * بلوغه أو * (من قبل) * نبوته يعني حين كان في صلب آدم. وأخذ ميثاق الأنبياء، أو من قبل محمد صلى الله عليه وسلم) لأنها محذوفات لا يدل على حذفها دليل بخلاف * (من * قيل) * موسى وهارون لتقدم ذكرهما. وقربه، والضمير في * (به) * الظاهر أنه عائد على إبراهيم. وقيل: على الرشد وعلمه تعالى أنه علم منه أحوالا عجيبة وأسرارا بديعة فأهله لخلته كقوله: الله أعلم حيث يجعل رسالاته، وهذا من أعظم المدح وأبلغه إذ أخبر تعالى أنه آتاه الرشد وأنه عالم بما آتاه به عليه السلام.
ثم استطرد من ذلك إلى تفسير الرشد وهو الدعاء إلى توحيد الله ورفض ما عبد من دونه. و * (إذ) * معمولة لآتينا أو * (* رشدة) * و * (به عالمين) * وبمحذوف أي اذكر من أوقات رشده هذا الوقت، وبدأ أولا بذكر أبيه لأنه الأهم عنده في النصيحة وإنقاذه من الضلال ثم عطف عليه * (قومه) * كقوله * (وأنذر عشيرتك الاقربين) * وفي قوله * (ما هاذه التماثيل) * تحقير لها وتصغير لشأنها وتجاهل بها مع علمه بها وبتعظيمهم لها. وفي خطابه لهم بقوله * (أنتم) * استهانة بهم وتوقيف على سوء صنيعهم، وعكف يتعدى بعلى كقوله * (يعكفون على أصنام لهم) * فقيل * (لها) * هنا بمعنى عليها كما قيل في قوله * (وإن أسأتم فلها) * والظاهر أن اللام في * (لها) * لام التعليل أي لتعظيمها، وصلة * (عاكفون) * محذوفة أي على عبادتها. وقيل: ضمن * (عاكفون) * معنى عابدين فعداه باللام.
وقال الزمخشري: لم ينو للعاكفين محذوفا وأجراه مجرى ما لا يتعدى كقوله فاعلون العكوف لها أو واقفون لها انتهى.
ولما سألهم أجابوه بالتقليد البحت، وأنه فعل آبائهم اقتدوا به من غير ذكر برهان، وما أقبح هذا التقليد الذي أدى بهم إلى عبادة خشب وحجر ومعدن ولجاجهم في ذلك ونصرة تقليدهم وكان سؤاله عن عبادة التماثيل وغايته أن يذكروا شبهة في ذلك فيبطلها، فلما أجابوه بما لا شبهة لهم فيه وبدا ضلالهم * (قال لقد كنتم أنتم وءاباؤكم فى ضلال مبين) * أي في حيرة واضحة لا التباس فيها، وحكم بالضلال على المقلدين والمقلدين وجعل الضلال مستقرا لهم و * (أنتم) * توكيد للضمير الذي هو اسم * (كان) * قال الزمخشري: و * (أنتم) * من التأكيد الذي لا يصح الكلام مع الإخلال به لأن العطف على ضمير هو في حكم بعض الفعل ممتنع ونحوه * (اسكن أنت وزوجك الجنة) * انتهى، وليس هذا حكما مجمعا عليه فلا يصح الكلام مع الإخلال به لأن الكوفيين يجيزون العطف على الضمير المتصل المرفوع من غير تأكيد بالضمير المنفصل المرفوع، ولا فصل وتنظيره ذلك: باسكن أنت وزوجك الجنة مخالف لمذهبه في * (اسكن أنت وزوجك) * لأنه يزعم أن وزوجك ليس معطوفا على الضمير المستكن في * (اسكن) * بل قوله: * (وزوجك) * مرتفع على إضمار، وليسكن فهو عنده من عطف الجمل وقوله هذا مخالف لمذهب سيبويه.
ولما جرى هذا السؤال وهذا الجواب تعجبوا من تضليله إياهم إذ كان قد نشأ بينهم وجوزوا أن ما قاله هو على سبيل المزاح لا الجد، فاستفهموه أهذا جد منه أم لعب والضمير في * (قالوا) * عائد عى أبيه وقومه و * (بالحق) * متعلق بقولهم * (أجئتنا) * ولم يريدوا حقيقة المجيء لأنه لم يكن عنهم غائبا فجاءهم وهو نظير * (قال أوحى * لو * جئتك بشىء مبين) * والحق هنا ضد الباطل وهو الجد، ولذلك قابلوه باللعب، وجاءت الجملة