وعدل فوقع خبرا للمثنى. وقرأ الحسن وزيد بن علي وأبو حيوة وعيسى * (رتقا) * بفتح التاء وهو اسم المرتوق كالقبض والنفض، فكان قياسه أن يبني ليطابق الخبر الاسم. فقال الزمخشري: هو على تقدير موصوف أي * (كانتا) * شيئا * (رتقا) *. وقال أبو الفضل الرازي: الأكثر في هذا الباب أن يكون المتحرك منه اسما بمعنى المفعول والساكن مصدر، أو قد يكونان مصدرين لكن المتحرك أولى بأن يكون في معنى المفعول لكن هنا الأولى أن يكونا مصدرين فأقيم كل واحد منهما مقام المفعولين، ألا ترى أنه قال * (كانتا رتقا) * فلو جعلت أحدهما اسما لوجب أن تثنيه فلما قال * (رتقا) * كان في الوجهين كرجل عدل ورجلين عدل وقوم عدل انتهى.
* (وجعلنا) * إن تعدت لواحد كانت بمعنى * (وخلقنا * من الماء) * كل حيوان أي مادته النطفة قاله قطرب وجماعة أو لما كان قوامه الماء المشروب وكان محتاجا إليه لا يصبر عنه جعل مخلوقا منه كقوله * (خلق الإنسان من عجل) * قاله الكلبي وغيره، وتكون الحياة على هذا حقيقة ويكون كل شيء عاما مخصوصا إذ خرج منه الملائكة والجن وليسوا مخلوقين من نطفة ولا محتاجين للماء.
وقال قتادة: أي خلقنا كل نام من الماء فيدخل فيه النبات والمعدن، وتكون الحياة فيهما مجازا أو عبر بالحياة عن القدر المشترك بينهما وبين الحيوان وهو النمو ويكون أيضا على هذا عاما مخصوصا، وإن تعدت * (جعلنا) * لاثنين فالمعنى صيرنا * (كل شىء حى) * بسبب من الماء لا بد له منه. وقرأ الجمهور * (حى) * بالخفض صفة لشيء. وقرأ حميد حيا بالنصب مفعولا ثانيا لجعلنا، والجار والمجرور لغو أي ليس مفعولا ثانيا * (لجعلنا) * * (أفلا يؤمنون) * استفهام إنكار وفيه معنى التعجب من ضعف عقولهم، والمعنى أفلا يتدبرون هذه الأدلة ويعملوا بمقتضاها ويتركوا طريقة الشرك، وأطلق الإيمان على سببه وقد انتظمت هذه الآية دليلين من دلائل التوحيد وهي من الأدلة السماوية والأرضية.
ثم ذكر دليلا آخر من الدلائل الأرضية فقال: * (وجعلنا فى الارض رواسى أن تميد بهم) * وتقدم شرح نظير هذه الجملة في سورة النحل * (وجعلنا فيها فجاجا سبلا) * وهذا دليل رابع من الدلائل الأرضية، والظاهر أن الضمير في * (فيها) * عائد على الأرض. وقيل يعود على الرواسي، وجاء هنا تقديم * (فجاجا) * على قوله * (سبلا) * وفي سورة نوح * (لتسلكوا منها سبلا فجاجا) *. فقال الزمخشري: وهي يعني * (فجاجا) * صفة ولكن جعلت حالا كقوله:
لمية موحشا ظلل يعني أنها حال من سبل وهي نكرة، فلو تأخر * (فجاجا) * لكان صفة كما في تلك الآية ولكن تقدم فانتصب على الحمال قال: فإن قلت: ما الفرق بينهما من جهة المعنى؟ قلت: وجهان أحدهما إعلام بأنه جعل فيها طرقا واسعة، والثاني بأنه حين خلقها خلقها على تلك الصفة فهو بيان لما أبهم ثمة انتهى. يعني بالإبهام أن الوصف لا يلزم أن يكون الموصوف متصفا به حالة الإخبار عنه، وإن كان الأكثر قيامه به حالة الإخبار عنه، ألا ترى أنه يقال: مررت بوحشي القاتل حمزة، فحالة المرور لم يكن قائما به قتل حمزة، وأما الحال فهي هيئة ما تخبر عنه حالة لإخبار * (لعلهم يهتدون) * في مسالكهم وتصكرفهم. وما رفع وسمك على شيء فهو سقف. قال قتادة: حفظ من البلي والتغير على طول الدهر. وقيل: حفظ من السقوط لإمساكه من غير علاقة ولا عماد. وقيل: حفظ من الشرك والمعاصي. وقال الفراء: حفظ من الشياطين