أبدانهم ولا أحد يمنعهم من العذاب * (بل تأتيهم بغتة) * أي تفجؤهم. قال ابن عطية * (بل * تأتهم) * استدراك مقدر قبله نفي تقديره إن الآيات لا تأتي بحسب اقتراحهم انتهى. والظاهر أن الضمير في * (تأتيهم) * عائد على النار. وقيل: على الساعة التي تصبرهم إلى العذاب. وقيل: على العقوبة. وقال الزمخشري: في عود الضمير إلى النار أو إلى الوعد لأنه في معنى النار وهي التي وعدوها، أو على تأويل العدة والموعدة أو إلى الحين لأنه في معنى الساعة أو إلى البعثة انتهى.
وقرأ الأعمش بل يأتيهم بالياء بغتة بفتح الغين فيبهتهم بالياء والضمير عائد إلى الوعد أو الحين قاله الزمخشري. وقال أبو الفضل الرازي: لعله جعل النار بمعنى العذاب فذكر ثم رد ردها إلى ظاهر اللفظ * (ولا هم ينظرون) * أي يؤخرون عما حل بهم، ولما تقدم قوله * (إن يتخذونك إلا هزوا) * سلاه تعالى بأن من تقدمه من الرسل وقع من أممهم الاستهزاء بهم، وأن ثمرة استهزائهم جنوها هلاكا وعقابا في الدنيا والآخرة، فكذلك حال هؤلاء المستهزئين. وتقدم تفسير مثل هذه الآية في الأنعام.
ثم أمره تعالى أن يسألهم من الذي يحفظكم في أوقاتكم من بأس الله أي لا أحد يحفظكم منه، وهو استفهام تقريع وتوبيخ. وفي آخر الكلام تقدير محذوف كأنه ليس لهم مانع ولا كالىء، وعلى هذا النفي تركيب بل في قوله * (بل هم عن ذكر ربهم معرضون) * قاله ابن عطية. وقال الزمخشري: بل هم معرضون عن ذكره لا يخطرونه ببالهم فضلا أن يخافوا بأسه حتى إذا رزقوا الكلاءة منه عرفوا من الكالىء وصلحوا للسؤال عنه، والمراد أنه أمر رسوله بسؤالهم عن الكالىء ثم بين أنهم لا يصلحون لذلك لإعراضهم عن ذكر من يكلؤهم انتهى. وقرأ أبو جعفر والزهري وشيبة: يكلوكم بضمة خفيفة من غير همز. وحكى الكسائي والفراء يكلوكم بفتح اللام وإسكان الواو.
* (أم لهم الهة) * بمعنى بل، والهمزة كأنه قيل بل ألهم آلهة فأضرب ثم استفهم * (تمنعهم) * من العذاب. وقال الحوفي * (من دوننا) * متعلق بتمنعهم انتهى. قيل: والمعنى ألهم آلهة تجعلهم في منعة وعز من أن ينالهم مكروه من جهتنا. وقال ابن عباس: في الكلام تقديم وتأخير، تقديره أم لهم آلهة من دوننا تمنعهم تقول: منعت دونه كففت أذاه فمن دوننا هو من صلة * (ءالهة) * أي أم لهم آلهة دوننا أو من صلة * (تمنعهم) * أي * (أم لهم) * مانع من سوانا. ثم استأنف الإخبار عن آلهتهم فبين أن ما ليس بقادر على نصر نفسه ومنعها ولا بمصحوب من الله بالنصر والتأييد كيف يمنع غيره وينصره؟ وقال ابن عباس * (يصحبون) * يمنعون. وقال مجاهد: ينصرون. وقال قتادة: لا يصحبون من الله بخير. وقال الشاعر:
* ينادي بأعلى صوته متعوذا * ليصحب منا والرماح دوان * وقال مجاهد: يحفظون. وقال السدي: لا يصحبهم من الملائكة من يدفع عنهم، والظاهر عود الضمير في * (ولاهم) * على الأصنام وهو قول قتادة. وقيل: على الكفار وهو قول ابن عباس، وفي التحرير مدار هذه الكلمة يعني * (يصحبون) * على معنيين أحدهما أنه من صحب يصحب، والثاني من الإصحاب أصحب الرجل منعه من الآفات.