تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٢٩٠
المقابلة و * (ءان) * نافية بمعنى ما، والظاهر أن جواب * (إذا) * هو * (إن يتخذونك) * وجواب إذا بان النافية لم يرد منه في القرآن إلا هذا وقوله في القرآن * (وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا) * ولم يحتج إلى الفاء في الجواب كما لم تحتج إليه ما إذا وقعت جوابا كقوله * (وإذا تتلى عليهم ءاياتنا بينات) * ما كان حجتهم بخلاف أدوات الشرط، فإنها إذا كان الجواب مصدرا بما النافية فلا بد من الفاء، نحو إن تزورنا فما نسيء إليك. وفي الجواب لاذا بأن وما النافيتين دليل واضح على أن * (إذا) * ليست معمولة للجواب، بل العامل فيها الفعل الذي يليها وليست مضافة للجملة خلافا لأكثر النحاة. وقد استدللنا على ذلك بغير هذا من الأدلة في شرح التسهيل.
وقيل: جواب * (إذا) * محذوف وهو يقولون المحكي به قولهم * (أهاذا الذى يذكر الهتكم) * وقوله * (إن يتخذونك إلا هزوا) * كلام معترض بين * (إذا) * وجوابه و * (يتخذونك) * يتعدى إلى اثنين، والثاني * (هزوا) * أي مهزوأ به، وهذا استفهام فيه إنكار وتعجيب. والذكر يكون بالخير وبالشر، فإذا لم يذكر متعلقه فالقرينة تدل عليه، فإن كان من صديق فالذكر ثناء أو من غيره فذم، ومنه * (سمعنا فتى يذكرهم) * أي بسوء، وكذلك هنا * (أهاذا الذى يذكر الهتكم) *.
ثم نعى عليه إنكارهم عليه ذكر آلهتهم بهذه الجملة الحالية وهي * (وهم بذكر الرحمان هم كافرون) * أي ينكرون وهذه حالهم يكفرون بذكر الرحمن، وهو ما أنزل من القرآن فمن هذه حاله لا ينبغي أن ينكر على من يغيب آلهتهم، والظاهر أن هذه الجملة حال من الضمير في يقولون المحذوف.
وقال الزمخشري: والجملة في موضع الحال أي * (يتخذونك * هزوا) * وهم على حال هي أصل الهزء والسخرية وهي الكفر بالله انتهى. فجعل الجملة الحالية العامل فيها * (يتخذونك * هزوا) * المحذوفة وكررهم على سبيل التوكيد. وروي أنها نزلت حين أنكروا لفظة * (الرحمان) * وقالوا: ما نعرف الرحمن إلا في اليمامة، والمراد بالرحمن هنا الله، كأنه قيل * (وهم بذكر) * الله ولما كانوا يستعجلون عذاب الله وآياته الملجئة إلى ازقرار والعلم نهاهم تعالى عن الاستعجال وقدم أولا ذم * (الإنسان) * على إفراط العجلة وأنه مطبوع عليها، والظاهر أنه يراد بالإنسان هنا اسم الجنس وكونه * (خلق) * * (من عجل) * وهو على سبيل المبالغة لما كان يصدر منه كثيرا. كما يقول لمكثر اللعب أنت من لعب، وفي الحديث (لست من دد ولا دد مني). وقال الشاعر:
* وإنا لمما يضرب الكبش ضربة * على رأسه تلقى اللسان من الفم * لما كانوا أهل ضرب الهام وملازمة الحرب قال: إنهم من الضرب، وبهذا التأويل يتم معنى الآية ويترتب عليه قوله * (عن ءاياتي) * أي آيات الوعيد * (فلا تستعجلون) * في رؤيتكم العذاب الذي تستعجلون به، ومن يدعي القلب فيه وهو أبو عمرو وإن التقدير خلق العجل من الإنسان وكذا قراءة عبد الله على معنى أنه جعل طبيعة من طبائعه وجزأ من أخلاقه، فليس قوله بجيد لأن القلب الصحيح فيه أن لا يكون في كلام فصيح وإن بابه الشعر. قيل: فمما جاء في الكلام من ذلك قول العرب: إذا طلعت الشعرى استوى العود على الحر باء. وقالوا: عرضت الناقة على الحوض وفي الشعر قوله:
حسرت كفى عن السربال آخذه وقال مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والسدي والضحاك ومقاتل والكلبي * (الإنسان) * هنا آدم. قال مجاهد: لما دخل الروح رأسه وعينيه رأى الشمس قاربت الغروب فقال: يا رب عجل تمام خلقي قبل أن تغيب الشمس. وقال سعيد: لما
(٢٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 ... » »»