تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٢٤١
زيد عمرا وبنى على ذلك سأله الاشتغال خرجت فإذا زيد قد ضربه عمرو، برفع زيد ونصبه، وأما قوله: والمعنى على مفاجأته حبالهم وعصيهم مخيلة إليه السعي فهذا بعكس ما قدر بل المعنى على مفاجأة حبالهم وعصيهم إياه. فإذا قلت: خرجت فإذا السبع، فالمعنى أنه فاجني السبع وهجم ظهوره.
وقرأ الحسن وعيسى عصيهم بضم العين حيث كان وهو الأصل لأن الكسر اتباع لحركة الصاد وحركة الصاد لأجل الياء. وفي كتاب اللوامح الحسن وعصيهم بضم العين وإسكان الصاد وتخفيف الياء مع الرفع فهو أيضا جمع كالعامة لكنه على فعل. وقرأ الزهري والحسن وعيسى وأبو حيوة وقتادة والجحدري وروح والوليدان وابن ذكوان تخيل بالتاء مبنيا للمفعول وفيه ضمير الحبال والعصي و * (أنها تسعى) * بدل اشتمال من ذلك الضمير. وقرأ أبو السماك تخيل بفتح التاء أي تتخيل وفيها أيضا ضمير ما ذكر و * (وإنها * تسعى) * بدل اشتمال أيضا من ذلك الضمير لكنه فاعل من جهة المعنى. وقال ابن عطية: إنها مفعول من أجله. وقال أبو القاسم بن حبارة الهذلي الأندلسي في كتاب الكامل من تأليفه عن أبي السماك أنه قرأ تخيل بالتاء من فوق المضمومة وكسر الياء والضمير فيه فاعل، و * (أنها تسعى) * في موضع نصب على المفعول به. ونسب ابن عطية هذه القراءة إلى الحسن والثقفي يعني عيسى، ومن بني تخيل للمفعول فالمخيل لهم ذلك هو الله للمحنة والابتلاء وروى الحسن بن أيمن عن أبي حيوة نخيل بالنون وكسر الياء، فالمخيل لهم ذلك هو الله والضمير في * (إليه) * الظاهر أنه يعود على موسى لقوله قبل * (قال بل ألقوا) * ولقوله بعد * (فأوجس فى نفسه خيفة موسى) * وقيل: يعود على فرعون، والظاهر من القصص أن الحبال والعصي كانت تتحرك وتنتقل الانتقال الذي يشبه انتقال من قامت به الحياة، ولذلك ذكر السعي وهو وصف من يمشي من الحيوان، فروى أنهم جعلوا في الحبال زئبقا وألقوها في الشمس فأصاب الزئبق حرارة الشمس فتحرك فتحركت العصي والحبال معه. وقيل: حفروا الأرض وجعلوا تحتها نارا وكانت العصي والحبال مملوءة بزئبق، فلما أصابتها حرارة الأرض تحركت وكان هذا من باب الدك. وقيل: إنها لم تتحرك وكان ذلك من سحر العيون وقد صرح تعالى بهذا فقالوا * (سحروا أعين الناس) * فكان الناظر يخيل إليه أنها تنتقل. وتقدم شرح أوجس.
وقال الزمخشري: كان ذلك لطبع الجبلة البشرية وأنه لا يكاد يمكن الخلو من مثله وهو قول الحسن. وقيل: كان خوفه على الناس أن يفتتنوا لهول ما رأى قبل أن يلقي عصاه وهو قول مقاتل، والإيجاس هو من الهاجس الذي يخطر بالبال وليس يتمكن و * (خيفة) * أصله خوفة قلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها. وقال ابن عطية: يحتمل أن تكون خوفه بفتح الخاء قلبت الواو ياء ثم كسرت الخاء للتناسب.
* (إنك أنت الاعلى) * تقرير لغلبته وقهره وتوكيد بالاستئناف وبكلمة التوكيد وبتكرير الضمير وبلام التعريف، وبالأعلوية الدالة على التفضيل * (وألق ما فى يمينك) * لم يأت التركيب وألق عصاك لما في لفظ اليمين من معنى اليمن والبركة. قال الزمخشري: وقوله * (ما فى يمينك) * ولم يقل عصاك جائز أن يكون تصغيرا لها أي لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم، وألق العويد الفرد الصغير الجرم الذي في يمينك فإنه بقدرة الله يتلقفها على حدته وكثرتها وصغره وعظمها، وجائز أن يكون تعظيما لها أي لا تحتفل بهذه الأجرام الكبيرة الكثيرة فإن في يمينك شيئا أعظم منها كلها وهذه على كثرتها أقل شيء وأنزره عندها، فألقه تتلقفها بإذن الله وتمحقها انتهى. وهو تكثير وخطابه لا طائل في ذلك.
وفي ذوله * (تلقف) * جمل على معنى ما لا على لفظها إذ أطلقت ما على العصا والعصا مؤنثة، ولو حمل على اللفظ لكان بالياء. وقرأ الجمهور تلقف بفتح اللام وتشديد القاف مجزوما على جواب الأمر. وقرأ ابن عامر كذلك وبرفع الفاء على الاستئناف أو على الحال من الملقى. وقرأ أبو جعفر وحفص وعصمة عن عاصم * (تلقف) * بإسكان اللام والفاء وتخفيف القاف وعن قنبل أنه كان يشدد من تلقف يريد يتلقف.
وقرأ الجمهور * (كيد) * بالرفع على أن * (ما) * موصولة بمعنى الذي والعائد محذوف، ويحتمل أن تكون * (ما) * مصدرية أي أن صنعتم كيد، ومعنى
(٢٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 ... » »»