ذلك قاله الحسن * (والله خير وأبقى) * رد على قوله * (أينا أشد عذابا وأبقى) * أي وثواب الله وما أعده لمن آمن به، روي أنهم قالوا لفرعون أرنا موسى نائما ففعل فوجده ويحرسه عصاه، فقالوا: ما هذا بسحر الساحر إذا نام بطل سحره فأبى إلا أن يعارضوه ويظهر من قولهم أئن لنا لأجرا عدم الإكراه.
* (إنه من يأت * إلى من * تزكى) * قيل هو حكاية لهم عظة لفرعون. وقيل: خبر من الله لا على وجه الحكاية تنبيها على قبح ما فعل فرعون وحسن ما فعل السحرة موعظة وتحذيرا، والمجرم هنا الكافر لذكر مقابله * (ومن يأته مؤمنا) * ولقوله * (لا يموت فيها ولا يحيا) * أي يعذب عذابا ينتهي به إلى الموت ثم لا يجهز عليه فيستريح، بل يعاد جلده ويجدد عذابه فهو لا يحيا حياة طيبة بخلاف المؤمن الذي يدخل النار فهم يقاربون الموت ولا يجهز عليهم فهذا فرق بين المؤمن والكافر. وفي الحديث (إنهم يماتون إماتة) وهذا هو معناه لأنه لا يموت في الآخرة و * (تزكى) * تطهر من دنس الكفر. وقيل: قال لا إله إلا الله.
* (ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادى فاضرب لهم طريقا فى البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى فأتبعهم) *.
هذا استئناف إخبار عن شيء من أمر موسى عليه السلام وبينه وبين مقال السحرة المتقدم مدة من الزمان، حدث فيها لموسى وفرعون حوادث، وذلك أن فرعون لما انقضى أمر السحرة وغلب موسى وقوي أمره وعده فرعون أن يرسل معه بني إسرائيل، فأقام موسى على وعده حتى غدره فرعون ونكث وأعلمه أنه لا يرسلهم معه، فبعث الله حينئذ الآيات المذكورة في غير هذه الآيات الجراد والقمل إلى آخرها كلما جاءت آية وعد فرعون أن يرسل بني إسرائيل عند انكشاف العذاب، فإذا انكشف نكث حتى تأتي أخرى فلما كملت الآيات أوحى الله إلى موسى عليه السلام أن يخرج بني إسرائيل في الليل ساريا والسري مسير الليل.
ويحتمل أن * (ءان) * تكون مفسرة وأن تكون الناصبة للمضارع و * (بعبادى) * إضافة تشريف لقوله * (ونفخت فيه من روحى) * والظاهر أن الإيحاء إليه بذلك وبأن يضرب البحر كان متقدما بمصر على وقت اتباع فرعون موسى وقومه بجنوده. وقيل: كان الوحي بالضرب حين قارب فرعون لحاقه وقوي فزع بني إسرائيل، ويروى أن موسى عليه السلام نهض ببني إسرائيل وهم ستمائة ألف إنسان، فسار بهم من مصر يريد بحر القلزم، واتصل الخبر فرعون فجمع جنوده وحشرهم ونهض وراءه فأوحى الله إلى موسى أن يقصد البحر فجزع بنو إسرائيل، ورأوا أن العدو من ورائهم والبحر من أمامهم وموسى يثق بصنع الله، فلما رآهم فرعون قد نهضوا نحو البحر طمع فيهم وكان مقصدهم إلى موضع ينقطع فيه الفحوص والطرق الواسعة. قيل: وكان في خيل فرعون سبعون ألف أدهم ونسبة ذلك من سائر الألوان. وقيل: أكثر من هذا فضرب موسى عليه السلام البحر فانفرق اثنتي عشرة فرقة طرقا واسعة بينها حيطان الماء واقفة، ويدل عليه فكان كل فرق كالطود العظيم. وقيل: بل هو طريق واحد لقوله * (فاضرب لهم طريقا فى البحر يبسا) * انتهى.
وقد يراد بقوله * (طريقا) * الجنس فدخل موسى عليه السلام بعد أن بعث الله ريح الصبا فجففت تلك الطرق حتى يبست ودخل بنو إسرائيل، ووصل فرعون إلى المدخل وبنو إسرائيل كلهم في