للموعد، وذلك على ما كان عهد إليهم أن يجيئوا للموعد. ثم ذكر السبب الذي حمله على العجلة وهو ما تضمنه قوله * (وعجلت إليك رب لترضى) * من طلبه رضا الله تعالى في السبق إلى ما وعده ربه ومعنى * (إليك) * إلى مكان وعدك و * (لترضى) * أي ليدوم رضاك ويستمر، لأنه تعالى كان عنه راضيا.
وقال الزمخشري: فإن قلت: * (ما * أعجلك) * سؤال عن سبب العجلة، فكان الذي ينطبق عليه من الجواب أن يقال: طلب زيادة رضاك والشوق إلى كلامك وينجز موعدك وقوله * (هم أولاء على أثرى) * كما ترى غير منطبق عليه. قلت: قد تضمن ما واجهه به رب العزة شيئين أحدهما إنكار العجلة في نفسها، والثاني السؤال عن سبب المستنكر والحامل عليه، فكان أهم الأمرين إلى موسى بسط العذر وتمهيد العلة في نفس ما أنكر عليه، فاعتل بأنه لم يوجد مني إلا تقدم يسير مثله لا يعتد به في العادة ولا يحتفل به، وليس بيني وبين من سبقته إلا مسافة قريبة يتقدم بمثلها الوفد رأسهم ومقدمهم، ثم عقبه بجواب السؤال عن السبب فقال * (وعجلت إليك رب لترضى) * ولقائل أن يقول: حار لما ورد عليه من التهيب لعتاب الله فأذهله ذلك عن الجواب المنطبق المترتب على حدود الكلام انتهى. وفيه سوء أدب على الأنبياء عليهم السلام.
وقرأ الحسن وابن معاذ عن أبيه أولائي بياء مكسورة وابن وثاب وعيسى في رواية * (أولاء) * بالقصر. وقرأت فرقة أولاي بياء مفتوحة. وقرأ عيسى ويعقوب وعبد الوارث عن أبي عمرو وزيد بن علي إثري بكسر الهمزة وسكون الثاء. وحكى الكسائي أثري بضم الهمزة وسكون الثاء وتروى عن عيسى. وقرأ الجمهور * (أولاء) * بالمد والهمز على * (أثرى) * بفتح الهمز والثاء و * (على أثرى) * يحتمل أن يكون خبرا بعد خبر، أو في موضع نصب على الحال.
قال: * (فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامرى) * أي اختبرناهم بما فعل السامري أو ألقيناهم في فتنة أي ميل مع الشهوات ووقوع في اختلاف * (من بعدك) * أي من بعد فراقك لهم. وقال الزمخشري: أراد بالقوم المفتونين الذين خلفهم مع هارون، وكانوا ستمائة ألف ما نجا من عبادة العجل إلا اثنا عشر ألفا فإن قلت: فيي القصة أنهم أقاموا بعد مفارقته عشرين ليلة وحسبوا أربعين مع أيامها، وقالوا قد أكملنا العدة ثم كان أمر العجل بعد ذلك، فكيف التوفيق بين هذا وبين قوله تعالى لموسى عند مقدمه * (إنا قد * فتنا قومك من بعدك) *؟ قلت: قد أخبر الله تعالى عن الفتنة المترقبة بلفظ الموجودة الكائنة على عادته، وافترض السامري غيبته فعزم على إضلالهم غب انطلاقه. وأخذ في تدبير ذلك فكان بدء الفتنة موجودا انتهى.
وقرأ الجمهور: * (وأضلهم) * فعلا ماضيا. وقرأ أبو معاذ وفرقة وأضلهم برفع اللام مبتدأ والسامري خبره وكان أشدهم ضلالا لأنه ضال في نفسه مضل غيره. وفي القراءة الشهري أسند الضلال إلى السامري لأنه كان السبب في ضلالهم، وأسند الفتنة إليه تعالى لأنه هو الذي خلقها في قلوبهم. و * (السامرى) * قيل اسمه موسى بن ظفر. وقيل: منجا وهو ابن خالة موسى أو ابن عمه أو عظيم من بني إسرائيل من قبيلة تعرف بالسامرة، أو علج من كرمان، أو من باجرما أو من اليهود أو من القبط آمن بموسى وخرج معه، وكان جاره أو من عباد البقر وقع في مصر فدخل في بني إسرائيل بظاهره وفي قلبه عبادة البقر أقوال وتقوم في الأعراف كيفية اتخاذ العجل وقبل ذلك في البقرة فأغنى عن إعادتها هنا.
* (فرجع موسى إلى قومه) * وذلك بعدما استوفى الأربعين وانتصب * (غضبان أسفا) * على الحال، والأسف أشد الغضب. وقيل: الحزن وغضبه من حيث له قدرة على تغيير منكرهم، وأسفه وهو حزنه من حيث علم أنه موضع عقوبة لا يد له بمدفعها ولا بد منها. قال ابن عطية: والأسف في كلام العرب متى كان من ذي قدرة على من دونه فهو غضب، ومتى كان من الأقل على الأقوى فهو حزن، وتأمل ذلك فهو مطرد، ثم أخذ موسى عليه السلام يوبخهم على إضلالهم والوعد الحسن ما وعدهم من الوصول إلى جانب الطور الأيمن وما بعد ذلك من الفتوح في الأرض والمغفرة لمن تاب وآمن وغير ذلك مما وعد الله أهل