تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٢٠٢
سهيل: نحرمه ما يتمناه من المال والولد ونجعله لغيره. قال الزمخشري: ويحتمل أنه قد تمنى وطمع أن يؤتيه الله في الدنيا مالا وولدا، وبلغت به أشعبيته أن تألي على الله في قوله * (لاوتين) * لأنه جواب قسم مضمر، ومن يتأل على الله يكذبه فيقول الله عز وعلا: هب أنا أعطيناه ما اشتهاه أما نرثه منه في العاقبة * (ويأتينا فردا) * غدا بلا مال ولا ولد كقوله تعالى * (ولقد جئتمونا) * الآية فما يجدي عليه تمنيه وتأليه. ويحتمل أن هذا القول إنما يقوله ما دام حيا، فإذا قبضناه حلنا بينه وبين أن يقوله * (يقول ويأتينا) * رافضا له * (* منفردا) * عنه غير قائل له انتهى.
وقال النحاس: * (مدا ونرثه ما يقول) * معناه نحفظه عليه للعاقبة ومنه العلماء ورثة الأنبياء أي حفظة ما قالوه انتهى. و * (فردا) * تتضمن ذلته وعدم أنصاره، و * (يقول) * صلة * (ما) * مضارع، والمعنى على الماضي أي ما قال. والضمير في * (واتخذوا) * العبادة الأصنام وقد تقدم ما يعود عليه وهم الظالمون في قوله * (ونذر الظالمين) * فكل ضمير جمع ما بعده عائد عليه إن كان مما يمكن عوده عليه، واللام في * (ليكونوا) * لام كي أي * (ليكونوا) * أي الآلهة * (لهم عزا) * يتعززون بها في النصرة والمنفعة والإنقاذ من العذاب.
* (كلا) * قال الزمخشري: * (كلا) * ردع لهم وإنكار لتعززهم بالآلهة. وقرأ ابن نهيك * (كلا * وكانوا بعبادتهم) * أي سيجحدون * (كلا * وكانوا بعبادتهم) * كقولك: زيد مررت بغلامه وفي محتسب ابن جني * (كلا) * بفتح الكاف والتنوين، وزعم أن معناه كل هذا الرأي والاعتقاد كلا، ولقائل أن يقول إن صحت هذه الرواية فهي * (كلا) * التي للردع قلب الواقف عليها ألفها نونا كما في قواريرا انتهى. فقوله وقرأ ابن نهيك الذي ذكر ابن خالويه وصاحب اللوامح وابن عطية وأبو نهيك بالكنية وهو الذي يحكى عنه القراءة في الشواذ وأنه قرأ * (كلا) * بفتح الكاف والتنوين وكذا حكاه عنه أبو الفتح. وقال ابن عطية وهو يعني * (كلا) * نعت للآلهة قال: وحكى عنه أي عن أبي نهيك أبو عمر والداني * (كلا) * بضم الكاف والتنوين وهو منصوب بفعل مضمر يدل عليه * (سيكفرون) * تقديره يرفضون أو يتركون أو يجحدون أو نحوه. وأما قول الزمخشري ولقائل أن يقول إلى آخره فليس بجيد لأنه قال إنها التي للردع، والتي للردع حرف ولا وجه لقلب ألفها نونا وتشبيهه بقواريرا ليس بجيد لأن قواريرا اسم رجع به إلى أصله، فالتنوين ليس بدلا من ألف بل هو تنوين الصرف. وهذا الجمع مختلف فيه أيتحتم منع صرفه أم يجوز؟ قولان، ومنقول أيضا أن لغة للعرب يصرفون ما لا ينصرف عند غيرهم، فهذا التنوين إما على قول من لا يرى بالتحتم أو على تلك اللغة. وذكر الطبري عن أبي نهيك أنه قرأ كل بضم الكاف ورفع اللام ورفعه على الابتداء والجملة بعده الخبر، وتقدم ظاهر وهو الآلهة وتلاه ضمير في قوله ليكونوا فالأظهر أن الضمير في * (سيكفرون) * عائد على أقرب مذكور محدث عنه. فالمعنى أن الآلهة سيجحدون عبادة هؤلاء إياهم كما قال: * (وإذا رءا الذين أشركوا شركآءهم) * وفي آخرها * (فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون) * وتكون * (ءالهة) * هنا مخصوصا بمن يعقل، أو يجعل الله للآلهة غير العاقلة إدراكا تنكر به عبادة عابديه. ويجوز أن يكون الضمير للمشركين ينكرون لسوء العاقبة أن يكونوا كما قالوا * (والله ربنا ما كنا مشركين) * لكن قوله * (ويكونون) * يرجح القول الأول لا تساق الضمائر لواحد، وعلى القول الآخر يختلف الضمائر إذ يكون في * (سيكفرون) * للمشركين وفي * (يكونون) * للآلهة.
ومعنى * (ضدا) * أعوانا قاله ابن عباس. وقال الضحاك: أعداء. وقال قتادة: قرناء. وقال ابن زيد: بلاء. وقال ابن عطية: معناه يجيئهم منه خلاف ما كانوا أملوه فيؤول بهم ذلك إلى ذلة ضد ما أملوه من العز، فالضد هنا مصدر وصف به الجمع كما يوصف به الواحد. وقال الزمخشري: والضد
(٢٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 ... » »»