تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٨٨
فقال: والله عفو رحيم، وقراءة ابن عباس: والله لأهل الإساءة غفور رحيم على سبيل التفسير، لا على أنه قرآن لمخالفته سواد المصحف. قيل: وقوله: ما على المحسنين من سبيل، فيه نوع من أنواع البديع يسمى: التمليح، وهو أن يشار في فحوى الكلام إلى مثل سائر، أو شعر نادر، أو قصة مشهورة، أو ما يجري مجرى المثل. ومنه قول يسار بن عدي حين بلغه قتل أخيه، وهو يشرب الخمر:
* اليوم خمر ويبدو في غد خبر * والدهر من بين إنعام وإيئاس * * (ولا على الذين * ماذا * ما أتوك لتحملهم) *، معطوف على ما قبله، وهم مندرجون في قوله: ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون، وذكروا على سبيل نفي الحرج عنهم، وأنهم بالغوا في تحصيل ما يخرجون به إلى الجهاد حتى أقضي بهم الحال إلى المسألة، والحاجة لبذل ماء وجوههم في طلب ما يحملهم إلى الجهاد، والاستعانة به حتى يجاهدوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم)، ولا يفوتهم أجر الجهاد. ويحتمل أن لا يندرجوا في قوله: ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون، بأن يكون هؤلاء هم الذين وجدوا ما ينفقون، إلا أنهم لم يجدوا المركوب، وتكون النفقة عبارة عن الزارد لا عبارة عما يحتاج إليه المجاهد من زاد ومركوب وسلاح وغير ذلك مما يحتاج إليه. وهذه نزلت في العرباض بن سارية. وقيل: في عبد الله بن مغفل. وقيل: في عائذ بن عمرو. وقيل: في أبي موسى الأشعري ورهطه. وقيل: في تسعة نفر من بطون شتى فهم البكاؤون وهم: سالم بن عمير من بني عوف، وحرمي بن عمرو من بني واقف، وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب من بني مازن بن النجار، وسلمان بن صخر من بني المعلى وأبو رعيلة عبد الرحمن بن زيد بن بني حارثة، وعمرو بن غنمة من بني سلمة، وعائذ بن عمرو المزني. وقيل: عبد الله بن عمرو المزني. وقال مجاهد: البكاؤن هم بنو بكر من مزينة. وقال الجمهور: نزلت في بني مقرن، وكانوا ستة أخوة صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم)، وليس في الصحابة ستة أخوة غيرهم. ومعنى لتحملهم أي: على ظهر مركب، ويحمل عليه أثاب المجاهد. قال معناه: ابن عباس. وقال أنس بن مالك: لتحملهم بالزاد. وقال الحسن بن صالح: بالبغال. وروي أن سبعة من قبائل شتى قالوا: يا رسول الله قد ندبتنا إلى الخروج معك، فاحملنا على الخفاف المرقوعة والنعال المخصوفة نغر معك فقال: * (لا أجد ما أحملكم عليه) * فتولوا وهم يبكون.
وقرأ معقل بن هارون: لنحملهم بنون الجماعة، وإذا تقتضي جوابا. والأولى أن يكون ما يقرب منها وهو قلب، ويكون قوله: تولوا جوابا لسؤال مقدر كأنه قيل: فما كان حالهم إذ أجابهم الرسول؟ قيل: تولوا وأعينهم تفيض. وقيل: جواب إذا تولوا، وقلب جملة في موضع الحال من الكاف، أي: إذا ما آتوك قائلا لا أجد، وقد قبله مقدر كما قيل في قوله: حصرت صاورهم قاله الزمخشري. أو على حذف حرف العطف أي: وقلت، قاله الجرجاني وقاله ابن عطية وقدره: فقلت بالفاء وأعينهم تفيض جملة حالية. قال الزمخشري: (فإن قلت): فهل يجوز أن يكون قوله: قلت لا أجد استئنافا مثله يعني: مثل رضوا بأن يكونوا مع الخوالف؟ كأنه قيل: إذا
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»