تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٥١١
الله أنبياء الأمم فيهم منهم، والخطاب في ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم)، والإشارة بهؤلاء إلى أمته. وقال ابن عطية: ويجوز أن يبعث الله شهداء من الصالحين مع الرسل. وقد قال بعض الصحابة: إذا رأيت أحدا على معصية فانهه، فإن أطاعك وإلا كنت عليه شهيدا يوم القيامة انتهى. وكان الشهيد من أنفسهم، لأنه كان كذلك حين أرسل إليهم في الدنيا من أنفسهم. وقال الأصم أبو بكر المراد الشهيد هو أنه تعالى ينطق عشرة من أجزاء الإنسان حتى تشهد عليه، لأنه قال في صفة الشهيد من أنفسهم، وهذا بعيد لمقابلته بقوله: وجئنا بك شهيدا على هؤلاء، فيقتضي المقابلة أن الشهداء على الأمم أنبياؤهم كرسول الله صلى الله عليه وسلم). ونزلنا استئناف إخبار، وليس داخلا مع ما قبله لاختلاف الزمانين. لما ذكر ما شرفه الله به من الشهادة على أمته، ذكر ما أنزل عليه مما فيه بيان كل شيء من أمور الدين، ليزيح بذلك علتهم فيما كلفوا، فلا حجة لهم ولا معذرة. والظاهر أن تبيانا مصدر جاء على تفعال، وإن كان باب المصادر أن يجيء على تفعال بالفتح كالترداد والتطواف، ونظير تبيان في كسر تائه تلقاء. وقد جوز الزجاج فتحه في غير القرآن. وقال ابن عطية: تبيانا اسم وليس بمصدر، وهو قول أكثر النحاة. وروى ثعلب عن الكوفيين، والمبرد عن البصريين: أنه مصدر ولم يجيء على تفعال من المصادر إلا ضربان: تبيان وتلقاء.
قال الزمخشري: (فإن قلت): كيف كان القرآن تبيانا لكل شيء؟ (قلت): المعنى أنه بين كل شيء من أمور الدين حيث كان نصا على بعضها وإحالة على السنة، حيث أمر فيه باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم) وطاعته. وقيل: * (وما ينطق عن الهوى) * وحثا على الإجماع في قوله * (ويتبع غير سبيل المؤمنين) * وقد رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم) لأمته اتباع أصحابه، والاقتداء بآثارهم في قوله: * (يضركم من ضل إذا اهتديتم) * وقد اجتهدوا، وقاسوا، ووطؤوا طرق القياس والاجتهاد، فكانت السنة والإجماع والقياس والاجتهاد مستندة إلى تبيين الكتاب، فمن ثم كان تبيانا لكل شيء. وقوله: وقد رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى قوله: اهتديتم، لم يقل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وهو حديث موضوع لا يصح بوجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم). قال الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن حزم في رسالته في إبطال الرأي، والقياس، والاستحسان، والتعليل، والقليد ما نصه: وهذا خبر مكذوب موضوع باطل لم يصلح قط، وذكر إسناده إلى البزاز صاحب المسند قال: سألتم عما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم) مما في أيدي العامة ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أنه قال: إنما مثل أصحابي كمثل النجوم أو كالنجوم، بأيها اقتدوا اهتدوا. وهذا كلام لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم)، رواه عبد الرحيم بن زيد العمى، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم). وإنما أتى ضعف هذا الحديث من قبل عبد الرحيم، لأن أهل العلم سكتوا عن الرواية لحديثه. والكلام أيضا منكر عن النبي صلى الله عليه وسلم) ولم يثبت، والنبي صلى الله عليه وسلم) لا يبيح الاختلاف بعده من أصحابه، هذا نص كلام البزار. قال ابن معين: عبد الرحيم بن زيد كذاب خبيث ليس بشيء. وقال البخاري: هو متروك، رواه أيضا حمزة الجزري، وحمزة
(٥١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 506 507 508 509 510 511 512 513 514 515 516 ... » »»