تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٥١٠
ءاياتنا بينات تعرف فى وجوه الذين كفروا المنكر) * وتقول: إذا جاء زيد لا يجيء عمرو. قال الحوفي: فلا يخفف جواب إذا، وهو العامل في إذا، وقد تقدم لنا أن ما تقدم فاء الجواب في غير أما لا تعمل فيما قبله، وبينا أن العامل في إذا الفعل الذي يليها كسائر أدوات الشرط، وإن كان ليس قول الجمهور. وجعل الزمخشري جواب إذا محذوفا فقال: وقد قدر العامل في يوم نبعث مجزوما قال: ويوم نبعث وقعوا فيما وقعوا فيه، وكذلك وإذا رأوا العذاب بغتهم وثقل عليهم فلا يخفف ولا هم ينظرون كقوله: * (بل تأتيهم بغتة) * فتبهتهم الآية انتهى. والظاهر أن قوله: شركاءهم، عام في كل من اتخذوه شريكا لله من صنم ووثن وآدمي وشيطان وملك، فيكذبهم من له منهم عقل، فيكون: فألقوا عائدا على من له الكلام، ويجوز أن يكون عاما ينطق الله تعالى بقدرته الأوثان والأصنام. وإضافة الشركاء إليهم على هذا القول لكونهم هم الذين جعلوهم شركاء لله. وقال الحسن: شركاؤهم الشياطين، شركوهم في الأموال والأولاد كقوله تعالى: * (وشاركهم فى الاموال والاولاد) *، وقيل: شركاؤهم في الكفر. وعلى القول الأول شركاؤهم في أن اتخذوهم آلهة مع الله وعبدوهم، أو شركاؤهم في أن جعلوا لهم نصيبا من أموالهم وأنعامهم، والظاهر أن القول منسوب إليهم حقيقة. وقيل: منسوب إلى جوارحهم، لأنهم لما أنكروا الإشراك بقولهم: * (إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين) * أصمت الله ألسنتهم وأنطق جوارحهم. ومعنى: تدعو، ونعبد قالوا ذلك رجاء أن يشركوا معهم في العذاب، إذ يحصل التأسي، أو اعتذارا عن كفرهم إذ زين لهم الشيطان ذلك وحملهم عليه، إن كان الشركاء هم الشياطين. وقال أبو مسلم الأصبهان. قالوا: ذلك إحالة هذا الذنب على تلك الأصنام، وظنا أن ذلك ينجيهم من عذاب الله أو من عذابهم، فعند ذلك تكذيبهم تلك الأصنام. وقال القاضي: هذا بعيد، لأن الكفار يعلمون علما ضروريا في الآخرة أن العذاب سينزل بهم، ولا نصرة، ولا فدية، ولا شفاعة. وتقدم الإخبار بأنهم شركاء، والإخبار أنهم كانوا يدعونهم: أي يعبدونهم، فاحتمل التذكيب أن يكون عائدا للإخبار الأول أي: لسنا شركاء لله في العبادة، ولا آلهة نزهوا الله تعالى عن أن يكونوا شركاء له. واحتمل أن يكون عائدا على الإخبار الثاني وهو العبادة، لما لم يكونوا راضين بالعبادة جعلوا عبادتهم كلا عبادة، أو لما لم يدعوهم إلى العبادة. ألا ترى أن الأصنام والأوثان لا شعور لها بالعبادة، فضلا عن أن يدعو وإن من عبد من صالحي المؤمنين والملائكة، لم يدع إلى عبادته. وإن كان الشركاء الشياطين جاز أن يكونوا كاذبين في إخبارهم بكذب من عبدهم، كما كذب إبليس في قوله: * (إنى كفرت بما أشركتمون من قبل) * والضمير في إلى الله فألقوا عائد على الذين أشركوا، قاله الأكثرون. والسلم: الاستسلام والانقياد لحكم الله بعد الإباء والاستكبار في الدنيا، فلم يكن لهم إذ ذاك حيلة ولا دفع. وروى يعقوب عن أبي عمرو: السلم بإسكان اللام. وقرأ مجاهد: بضم السين واللام. وقيل: الضمير عائد على الذين أشركوا، وشركائهم كلهم. قال الكلبي: استسلموا منقادين لحكمه، والضمير في وضلوا عائد على الذين أشركوا خاصة أي: وبطل عنهم ما كانوا يفترون من أن لله شركاء وأنهم ينصرونهم ويشفعون لهم حين كذبوهم وتبرأوا منهم، والظاهر أن الذين مبتدأ وزدناهم الخبر. وقال ابن عطية: يحتمل أن يكون قوله: الذين، بدلا من الضمير في يفترون. وزدناهم فعل مستأنف إخباره. وصدوا عن سبيل الله أي: غيرهم زدناهم عذابا بسبب الصد فوق العذاب، أي: الذي ترتب لهم على الكفر ضاعفوا كفرهم، فضاعف الله عقابهم. وهذا المزيد عن ابن مسعود عقارب كأمثال النخل الطوال، وعنه: حيات كأمثال الفيلة، وعقارب كأمثال البغال. وعن ابن عباس: أنها من صفر مذاب تسيل من تحت العرش يعذبون بها، وعن الزجاج: يخرجون من حر النار إلى الزمهرير، فيبادرون من شدة برده إلى النار، وعلل تلك الزيادة بكونهم مفسدين غيرهم، وحاملين على الكفر. وفي كل أمة فيها منها حذف في السابق من أنفسهم وأثبته هنا وحذف هناك في وأثبته هنا، والمعنى في كليهما: أنه يبعث
(٥١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 505 506 507 508 509 510 511 512 513 514 515 ... » »»