يؤمنون وهو ما يعتقدون من مننفعة الأصنام وبركتها وشفاعتها، وما هو إلا وهم باطل لم يتوصلوا إليه بدليل ولا أمارة، فليس لهم إيمان إلا به. كأنه شيء معلوم مستيقن. ونعمة الله المشاهدة المعاينة التي لا شبهة فيها لذي عقل، وتمييزهم كافرون بها منكرون لها كما ينكر المحال الذي لا تتصوره العقول. وقيل: الباطل ما يسول لهم الشيطان من تحريم البحيرة والسائبة وغيرهما، ونعمة الله ما أحل لهم انتهى. وقرأ الجمهور: يؤمنون بالياء، وهو توقيف للرسول صلى الله عليه وسلم) على إيمانهم بالباطل، ويندرج في التوقيف المعطوف بعدها. وقرأ السلمي بالتاء، ورويت عن عاصم، وهو خطاب إنكار وتقريع لهم، والجملة بعد ذلك مجرد إخبار عنهم. فالظاهر أنه لا يندرج في التقريع. ويعبدون، استفهام أخبار عن حالهم في عبادة الأصنام، وفي ذلك تبيين لقوله: أفبالباطل يؤمنون، نعى عليهم فساد نظرهم في عبادة ما لا يمكن أن يقع منه ما يسعى عابده في تحصيله منه وهو الرزق، ولا هو في استطاعته. فنفى أولا أن يكون شيء من الرزق في ملكهم، ونفى ثانيا قدرتها على أن تحاول ذلك، وما لا تملك في جميع من عبد من دون الله من ملك أو آدمي أو غير ذلك. وأجازوا في شيئا انتصابه بقوله: رزقا، أجاز ذلك أبو علي وغيره. ورد عليه ابن الطراوة بأن الرزق هو المرزوق كالرعي والطحن، والمصدر هو الرزق بفتح الراء كالرعي والطحن. ورد على ابن الطراوة بأن الرزق بالكسر يكون أيضا مصدرا، وسمع ذلك فيه، فصح أن يعمل في المفعول به والمعنى: ما لا يملك أن يرزق من السماوات والأرض شيئا. ومن السماوات متعلق إذ ذاك بالمصدر. قال ابن عطية بعد أن ذكر أعمال المصدر منونا: والمصدر يعمل مضافا باتفاق، لأنه في تقدير الانفصال، ولا يعمل إذا دخله الألف واللام لأنه قد توغل في حال الأسماء وبعد عن الفعلية. وتقدير الانفصال في الإضافة حسن عمله، وقد جاء عاملا مع الألف واللام في قول الشاعر:
ضعيف النكاية أعداءه البيت وقوله:
لحقت فلم أنكل عن الضرب مسمعا انتهى. أما قوله: يعمل مضافا بالاتفاق إن عنى من البصريين فصحيح، وإن عنى من النحويين فغير صحيح، لأن بعض النحويين ذهب إلى أنه وإن أضيف لا يعمل، وإن نصب ما بعده أو رفعه إنما هو على إضمار الفعل المدلول عليه بالمصدر. وأما قوله: لأنه في تقدير الانفصال ليس كذلك، لأنه لو كان في تقدير الانفصال لكانت الإضافة غير محضة، وقد قال بذلك أبو القاسم بن برهان، وأبو الحسين بن الطراوة، ومذهبهما فاسد لنعت هذا المصدر المضاف، وتوكيده بالمعرفة. وأما قوله: ولا يعمل إلى آخره فقد ناقض في قول أخيرا: وقد جاء عاملا مع الألف واللام. وأما كونه لا يعمل مع الألف واللام فهو مذهب منقول عن الكوفيين، ومذهب سيبويه جواز أعماله. قال سيبويه: وتقول عجبت من