فضل ما رزق عليه ويساويه في المطعم والملبس، كما يحكى عن أبي ذر أنه ريء عبده وإزاره ورداؤه مثل ردائه من غير تفاوت، عملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم): (إنما هم إخوانكم فاكسوهم مما تلبسون واطعموهم مما تطعمون) وعن ابن عباس وقتادة: أن الأخبار بقوله: فما الذين فضلوا برادي رزقهم على سبيل المثل أي: إن المفضلين في الرزق لا يصح منهم أن يساهموا مماليكهم فيما أعطوا حتى تستوي أحوالهم، فإذا كان هذا في البشر فكيف تنسبون أنتم أيها الكفرة إلى الله تعالى أنه يشرك في ألوهيته الأوثان والأصنام، ومن عد من الملائكة وغيرهم والجميع عبيده وخلقه؟ وعن ابن عباس: أن الآية مشيرة إلى عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام. وقال المفسرون: هذه الآية كقوله: * (ضرب لكم مثلا من أنفسكم) * الآية. وقيل: المعنى أن الموالي والمماليك أنا رازقهم جميعا، فهم في رزقي سواء، فلا تحسبن الموالي أنهم يردون على مماليكهم من عندهم شيئا من الرزق، فإنما ذلك أجريه إليهم على أيديهم. وعلى هذا القول يكون فهم فيه سواء جملة أخبار عن تساوي الجميع في أكن الله تعالى هو رازقهم، وعلى القولين الآخرين تكون الجملة في موضع جواب النفي كأنه قيل: فيستووا. وقيل: هي جملة استفهامية حذف منها الهمزة التقدير: أفهم فيه سواء أي: ليسوا مستوين في الرزق، بل التفضيل واقع لا محالة. ثم استفهم عن جحودهم نعمة استفهام إنكار، وأتى بالنعمة الشاملة للرزق وغيره من النعم التي لا تحصى أي: إن من تفضل عليكم بالنشأة أولا ثم مما فيه قوام حياتكم جدير بأن تشكر نعمه ولا تكفر.
وقرأ أبو بكر عن عاصم، وأبو عبد الرحمن، والأعرج بخلاف عنه: تجحدون بالتاء على الخطاب لقوله: فضل، تبكيتا لهم في جحد نعمة الله. ولما ذكر تعالى امتنانه بالإيجاد ثم بالرزق المفضل فيه، ذكر امتنانه بما يقوم بمصالح الإنسان مما يأنس به ويستنصر به ويخدمه، واحتمل أن أنفسكم أن يكون المراد من جنسكم ونوعكم، واحتمل أن يكون ذلك باعتبار خلق حواء من ضلع من أضلاع آدم، فنسب ذلك إلى بني آدم، وكلا الاحتمالين مجاز. والظاهر أن عطف حفدة على بنين يفيد كون الجميع من الأزواج، وأنهم غير البنين. فقال الحسن: هم بنو ابنك. وقال ابن عباس والأزهري: الحفدة أولاد الأولاد، واختاره ابن العربي. وقال ابن عباس أيضا: البنون صغار الأولاد، والحفدة كبارهم. وقال مقاتل: بعكسه، وقيل: البنات لأنهن يخدمن في البيوت أتم خدمة. ففي هذا القول خص البنين بالذكران لأنه جمع مذكر كما قال: * (المال والبنون زينة الحيواة الدنيا) * وإنما الزينة في الذكورة. وعن ابن عباس: هم أولاد الزوجة من غير الزوج التي هي في عصمته. وقيل: وحفدة منصوب بجعل مضمرة، وليسوا داخلين في كونهم من الأزواج. فقال ابن مسعود، وعلقمة، وأبو الضحى، وإبراهيم بن جبير: الأصهار، وهم قرابة الزوجة كأبيها وأخيها. وقال مجاهد: هم الأنصار والأعوان والخدم. وقالت فرقة: الحفدة هم البنون أي: جامعون بين البنوة والخدمة، فهو من عطف الصفات لموصوف واحد. قال ابن عطية ما معناه: وهذه الأقوال مبنية على أن كل أحد جعل له من زوجه بنين وحفدة، وهذا إنما هو في الغالب وعظم الناس. ويحتمل عندي أن قوله من أزواجكم، إنما هو على العموم والاشتراك أي: من أزواج البشر جعل الله منهم البنين، ومنهم جعل الخدمة، وهكذا رتبت الآية النعمة التي تشمل العالم. ويستقيم لفظ الحفدة على مجراها في اللغة، إذ البشر بجملتهم لا يستغني أحد منهم عن حفدة انتهى. وفي قوله: من أنفسكم أزواجا دلالة على كذب العرب في اعتقادها أن الآدمي قد يتزوج من الجن ويباضعها، حتى حكوا ذلك عن عمرو بن هندانة تزوج سعلاة.
ومن في الطيبات للتبعيض، لأن كل الطيبات في الجنة، والذي في الدنيا أنموذج منها. والظاهر أن الطيبات هنا المستلذات لا الحلال، لأن المخاطبين كفار لا يتلبسون بشرع. ولما ذكر تعالى ما امتن به من جعل الأزواج وما ننتفع به من جهتين، ذكر مننه بالرزق. والطيبات عام في النبات والثمار والحبوب والأشربة، ومن الحيوان. وقيل: الطيبات الغنائم. وقيل: ما أتى من غير نصب. وقال مقاتل: الباطل الشيطان، ونعمة لله محمد صلى الله عليه وسلم). وقال الكلبي: طاعة الشيطان في الحلال والحرام. وقيل: ما يرجى من شفاعة الأصنام وبركتها. قال الزمخشري: أفبالباطل