تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٥٠١
الضرب زيدا، كما تقول: عجبت من الضارب زيدا، تكون الألف واللام بمنزلة التنوين. وإذا كان رزقا يراد به المرزوق فقالوا: انتصب شيئا على أنه بدل من رزقا، كأنه قيل: ما لا يملك لهم من السماوات والأرض شيئا، وهو البدل جاريا على جهة البيان لأنه أعم من رزق، ولا على جهة التوكيد لأنه لعمومه ليس مرادفا، فينبغي أن لا يجوز، إذ لا يخلو البدل من أحد نوعيه هذين. إما البيان، وإما التوكيد. وأجازوا أيضا أن يكون مصدرا أي: شيئا من الملك كقوله: ولا تضرونه شيئا أي شيئا من الضرر. وعلى هذين الإعرابين تتعلق من السماوات بقوله: لا يملك، أو يكون في موضع الصفة لرزق فيتعلق بمحذوف.
ومن السماوات رزقا يعني به المطر، وأطلق عليه رزق لأنه عنه ينشأ الرزق. والأرض يعني: الشجر، والثمر، والزرع. والظاهر عود الضمير في يستطيعون على ما على معناها، لأنه يراد بها آلهتهم، بعدما عاد على اللفظ في قوله: ما لا يملك، فأفرد وجاز أن يكون داخلا في صلة ما، وجاز أن لا يكون داخلا، بل إخبار عنهم بانتفاء الاستطاعة أصلا، لأنهم أموات. وأما قول الزمخشري: إنه يراد بالجمع بين نفي الملك والاستطاعة التوكيد فليس كما ذكر، لأن نفي الملك مغاير لنفي الاستطاعة. وقال ابن عباس: ولا يستطيعون أن يرزقوا أنفسهم. وجوز الزمخشري وابن عطية: أن يعود الضمير على ما عاد عليه في قوله: ويعبدون، وهم الكفار أي: ولا يستطيع هؤلاء مع أنهم أحياء متصرفون أولو ألباب من ذلك شيئا، فكيف بالجماد الذي لا حس به قاله الزمخشري. وقال ابن عطية: لا يستطيعون ذلك ببرهان يظهرونه وحجة يثبتونها انتهى.
ونهى تعالى عن ضرب الأمثال لله، وضرب الأمثال تمثيلها والمعنى هنا: تمثيل للإشراك بالله والتشبيه به، لأن من يضرب الأمثال مشبه حالا بحال. وقصة بقصة من قولهم: هذا ضرب لهذا أي: مثل، والضرب النوع. تقول: الحيوان على ضروب أي أنواع، وهذا من ضرب واحد أي: من نوع واحد. وقال ابن عباس: معناه لا تشبهوه بخلقه انتهى. وقال: إن الله يعلم أثبت العلم لنفسه، والمعنى: أنه يعلم ما تفعلون من عبادة غيره والإشراك به، وعبر عن الجزاء بالعلم: وأنتم لا تعلمون كنه ما أقدمتم عليه، ولا وبال عاقبته، فعدم علمكم بذلك جركم وجرأكم وهو كالتعليل للنهي عن الإشراك. قال الزمخشري: ويجوز أن يراد أن الله يعلم كيف نضرب الأمثال وأنتم لا تعلمون انتهى. وقاله ابن السائب قال: يعلم بضرب المثل، وأنتم لا تعلمون ذلك. وقال مقاتل: يعلم أنه ليس له شريك، وأنتم لا تعلمون ذلك. وقيل: يعلم خطأ ما تضربون من الأمثال، وأنتم لا تعلمون صواب ذلك من خطته.
2 (* (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شىء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون * وضرب الله مثلا رجلين أحدهمآ أبكم لا يقدر على شىء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوى هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم * ولله غيب السماوات والا رض ومآ أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شىء قدير * والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والا بصار والأفئدة
(٥٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 496 497 498 499 500 501 502 503 504 505 506 ... » »»