والمر والضار، وفي طواعيتها لأميرها ولمن يملكها في النقلة معه، وكان النظر في ذلك يحتاج إلى تأمل وزيادة تدبر ختم بقوله تعالى: إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون.
* (والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر * لكيلا يعلم * بعد علم شيئا إن الله عليم قدير * والله فضل بعضكم على بعض فى الرزق فما الذين فضلوا برآدى رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سوآء) *: لما ذكر تعالى تلك الآيات التي في الأنعام والثمرات والنحل، ذكر ما نبهنا به على قدرته التامة في إنشائنا من العدم وإماتتنا، وتنقلنا في حال الحياة من حالة الجهل إلى حالة العلم، وذلك كله دليل على القدرة التامة والعلم الواسع، ولذلك ختم بقوله: عليم قدير.
وأرذل العمر آخره الذي تفسد فيه الحواس، ويختل النطق والفكر. وخص بالرذيلة لأنها حالة لا رجاء بعدها لإصلاح ما فسد، بخلاف حال الطفولة فإنها حالة تتقدم فيها إلى القوة وإدراك الأشياء ولا يتقيد أرذل العمر بسن مخصوص، كما روي عن علي: أنه خمس وسبعون سنة. وعن قتادة: أنه تسعون، وإنما ذلك بحسب إنسان إنسان فرب ابن خمسين انتهى، إلى أرذل العمر، ورب ابن مائة لم يرد إليه. والظاهر أن من يرد إلى أرذل العمر عام، فيمن يلحقه الخرف والهرم. وقيل: هذا في الكافر، لأن المسلم لا يزداد بطول عمره إلا كرامة على الله، ولذلك قال تعالى: * (ثم رددناه أسفل سافلين * إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات) * أي لم يردوا إلى أسفل سافلين. وقال قتادة: من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر.
واللام في لكي قال الحوفي: هي لام كي دخلت على كي للتوكيد، وهي متعلقة ببرد انتهى. والذي ذهب إليه محققو النحاة في مثل لكي أن كي حرف مصدري إذا دخلت عليها اللام وهي الناصبة كأن، واللام جارة، فينسبك من كي والمضارع بعدها مصدر مجرور باللام تقديرا، فاللام على هذا لم تدخل على كي للتوكيد لاختلاف معناهما واختلاف عملهما، لأن اللام مشعرة بالتعليل، وكي حرف مصدري، واللام جارة، وكي ناصبة. وقال ابن عطية: يشبه أن تكون لام صيرورة والمعنى: ليصير أمره بعد العلم بالأشياء إلى أن لا يعلم شيئا. وهذه عبارة عن قلة علمه، لا أنه لا يعلم شيئا البتة. وقال الزمخشري: ليصير إلى حالة شبيهة بحالة في النسيان، وأن يعلم شيئا ثم يسرع في نسيانه فلا يعلمه إن سئل عنه. وقيل: لئلا يعقل من بعد عقله الأول شيئا. وقيل: لئلا يعلم زيادة علم على علمه انتهى. وانتصب شيئا إما بالمصدر على مذهب البصريين في اختيار أعماله ما يلي للقرب، أو بيعلم على مذهب الكوفيين في اختيار أعمال ما سبق للسبق.
ولما ذكر ما يعرض في الهرم من ضعف القوى والقدرة وانتفاء العلم، ذكر علمه وقدرته اللذين لا يتبدلان ولا يتغيران ولا يدخلهما الحوادث، ووليت صفة العلم ما جاورها من انتفاء العلم، وتقدم أيضا ذكر مناسبة للختم بهذين الوصفين. ولما ذكر تعالى خلقنا، ثم إماتتنا وتفاوتنا في السن، ذكر تفاوتنا في الرزق، وأن رزقنا أفضل من رزق المماليك وهم بشر مثلنا، وربما كان المملوك خيرا من المولى في العقل والدين والتصرف، وأن الفاضل في الرزق لا يساهم مملوكه فيما رزق فيساويه، وكان ينبغي أن يرد