قولهم له: بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين. وقرأ الحسن: تبشروني بنون مشددة وياء المتكلم، أدغم نون الرفع في نون الوقاية. وابن كثير: بشدها مكسورة دون ياء. ونافع يكسرها مخففة، وغلطه أبو حاتم وقال: هذا يكون في الشعر اضطرارا، وخرجت على أنه حذف نون الوقاية وكسر نون الرفع للياء، ثم حذفت الياء لدلالة الكسرة عليها. وقالوا هو مثل قوله:
* يسوء القالبات إذا قليني وقول الآخر:
* * لا أباك تخوفيني وقرأ باقي السبعة: بفتح وهي علامة الرفع. قال الحسن: فبم تبشرون على وجه الاحتقار وقلة المبالاة بالمبشرات لمضي العمر واستيلاء الكبر. وقال مجاهد: عجب من كبره وكبر امرأته، وتقدم ذكر سنة وقت البشارة. وبالحق أي باليقين الذي لا لبس فيه، أو بالطريقة التي هي حق، وهي قول الله ووعده وأنه قادر على أن يوجد ولدا من غير أبوين، فكيف من شيخ فان، وعجوز عاقر. وقرأ ابن وثاب، وطلحة، والأعمش، ورويت عن أبي عمرو: من القنطين، من قنط يقنط. وقرأ النحويان والأعمش: ومن يقنط. وهو استفهام في ضمنه النفي، ولذلك دخلت إلا في قوله: إلا الضالون وقولهم له: فلا تكن من القانطين نهي، والنهي عن الشيء لا يدل على تلبس المنهى عنه به ولا بمقارنته. وقوله: ومن يقنط رد عليهم، وأن المحاورة في البشارة لا تدل على القنوط، بل ذلك على سبيل الاستبعاد لما جرت به العادة. وفي ذلك إشارة إلى أن هبة الولد على الكبر من رحمة الله، إذ يشد عضد والده به ويؤازره حالة كونه لا يستقل ويرث منه علمه ودينه.
* * (قال فما خطبكم أيها المرسلون * قالوا إنآ أرسلنآ إلى قوم مجرمين * إلا ءال لوط إنا لمنجوهم أجمعين * إلا امرأته قدرنآ إنها لمن الغابرين * فلما جآء ءال لوط المرسلون * قال إنكم قوم منكرون * قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون * واتيناك بالحق وإنا لصادقون * فأسر بأهلك بقطع من اليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون * وقضينآ إليه ذلك الامر أن دابر هؤلآء مقطوع مصبحين) *: لما بشروه بالولد راجعوه في ذلك، علم أنهم ملائكة الله ورسله، فاستفهم بقوله: فما خطبكم؟ الخطب لا يكاد يقال إلا في الأمر الشديد، فأضافه إليهم من حيث أنهم حاملوه إلى أولئك القوم المعذبين. ونكر قوما وصفتهم تقليلا لهم واستهانة بهم، وهم قوم لوط أهل مدينة سدوم والمعنى: أرسلنا بالهلاك. وإلا آل لوط: يحتمل أن يكون استثناء من الضمير المستكن في مجرمين والتقدير: أجرموا كلهم إلا آل لوط، فيكون استثناء متصلا، والمعنى: إلا آل لوط فإنهم لم يجرموا. ويكون قوله: إنا لمنجوهم أجمعين، استئناف إخبار عن نجاتهم، وذلك لكونهم لم يجرموا، ويكون حكم الإرسال منسحبا على قوم مجرمين وعلى آل لوط لإهلاك هؤلاء، وإنجاء هؤلاء. والظاهر أنه استثناء منقطع، لأن آل لوط، ولا على عموم الشمول لتنكير قوم مجرمين، ولانتفاء وصف الإجرام عن آل لوط. وإذا كان استثناء فهو مما يجب فيه النصب، لأنه من الاستثناء الذي لا يمكن بوجه العامل على المستثنى فيه، لأنهم لم يرسلوا إليهم أصلا، وإنما أرسلوا إلى القوم المجرمين خاصة. ويكون قوله: إنا لمنجوهم جرى مجرى خبر، لكن في اتصاله بآل لوط، لأن المعنى: لكن آل لوط منجون. وقد زعم بعض النحويين في الاستثناء المنقطع المقدر بلكن إذا لم يكن بعده ما يصح أن يكون خبرا أن الخبر محذوف، وأنه في موضع رفع لجريان إلا وتقديرها بلكن.
قال الزمخشري: فإن قلت: فقلوه إلا امرأته مم استثنى، وهل هو استثناء من استثناء؟ قلت: استثنى من الضمير المجرور في قوله: لمنجوهم، وليس من الاستثناء من الاستثناء في شيء، لأن الاستثناء إنما يكون