تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٤٤٥
وحفص، وهشام: وعيون بضم العين، وباقي السبعة بكسرها. وقرأ الحسن: ادخلوها ماضيا مبنيا للمفعول من الإدخال. وقرأ يعقوب في رواية رويس كذلك، وبضم التنوين، وعنه فتحه. وما بعده أمر على تقدير: أدخلوها إياهم من الإدخال، أمر الملائكة بإدخال المتقين الجنة، وتسقط الهمزة في القراءتين. وقرأ الجمهور: ادخلوها أمر من الدخول. فعلى قراءتي الأمر، ثم محذوف أي: يقال لهم، أو يقال للملائكة. وبسلام في موضع نصب على الحال، واحتمبل أن يكون المعنى: مصحوبين بالسلامة، وأن يكون المعنى: مسلما عليكم أي: محيون، كما حكي عن الملائكة أنهم يدخلون على أهل الجنة يقولون: سلام عليكم. * (ونزعنا ما فى صدورهم من غل) * تقدم شرحه في الأغراف. قيل: وانتصب إخوانا على الحال، وهي حال من الضمير، والحال من المضاف إليه إذا لم يكن معمولا لما أضيف على سبيل الرفع أو النصب تندر، فلذلك قال بعضهم: إنه إذا كان المضاف جزأ من المضاف إليه كهذا، لأن الصدور بعض ما أضيفت إليه وكالجزء كقوله: * (واتبع ملة إبراهيم حنيفا) * جاءت الحال من المضاف. وقد قررنا أن ذلك لا يجوز. وما استدلوا به له تأويل غير ما ذكروا، فتأويله هنا أنه منصوب على المدح، والتقدير: أمدح إخوانا. لما لم يمكن أن يكون نعتا للضمير قطع من إعرابه نصبا على المدح، وقد ذكر أبو البقاء أنه حال من الضمير في الظرف في قوله: في جنات، وأن يكون حالا من الفاعل في: ادخلوها، أو من الضمير في: آمنين.
ومعنى إخوانا: ذوو تواصل وتوادد. وعلى سرر متقابلين: حالان. والقعود على السرير: دليل على الرفعة والكرامة التامة كما قال: يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة، أو مثل الملوك على الأسرة. وعن ابن عباس: على سرر مكللة بالياقوت والزبرجد والدر. وقال قتادة: متقابلين متساوين في التواصل والتزاور. وعن مجاهد: لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض، تدور بهم الأسرة حيث ما داروا، فيكونون في جميع أحوالهم متقابلين انتهى.
ولا كانت الدنيا محل تعب بما يقاسى فيها من طلب المعيشة، ومعاناة التكاليف الضرورية لحياة الدنيا وحياة الآخرة، ومعاشرة الأضداد، وعروض الآفات والأسقام، ومحل انتقال منها إلى دار أخرى مخوف أمرها عند المؤمن، لا محل إقامة، أخبر تعالى بانتفاء ذلك في الجنة بقوله: لا يمسهم فيها نصب. وإذا انتفى المس، انتفت الديمومة. وأكد انتفاء الإخراج بدخول الباء في: بمخرجين. وقيل: للثواب أربع شرائط أن يكون منافع وإليه الإشارة بقوله: في جنات وعيون مقرونة بالتعظيم، وإليه الإشارة بقوله: ادخلوها بسلام آمنين خالصة عن مظان الشوائب الروحانية: كالحقد، والحسد، والغل، والجسمانية كالإعياء، والنصب. وإليه الإشارة بقوله: ونزعنا إلى لا يمسهم فيها نصب دائمة، وإليه الإشارة بقوله: وما هم منها بمخرجين. وعن علي بن الحسين: أن قوله ونزعنا الآية، نزلت في أبي بكر وعمر، والغل غل الجاهلية. وقيل: كانت بين بني تميم وعدي وهاشم أضغان، فلما أسلموا تحابوا. ولما تقدم ذكر ما في النار، وذكر ما في الجنة، أكد تعالى تنبيه الناس. وتقرير ذلك وتمكينه في النفس بقوله: نبىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم. وناسب ذكر الغفران والرحمة اتصال ذلك بقوله: إن المتقين. وتقديما لهذين الوصفين العظيمين اللذين وصف بهما نفسه وجاء قوله: وأن عذابي، في غاية اللطف إذ لم يقل على وجه المقابلة. وأني المعذب المؤلم، كل ذلك ترجيح لجهة العفو والرحمة. وسدت أن مسد مفعولي نبىء إن قلنا إنها تعدت إلى ثلاثة، ومسد واحد إن قلنا: تعدت إلى اثنين. وعن ابن عباس: غفور لمن تاب، وعذابه لمن لم يتب. وفي قوله: نبىء الآية، ترجيح جهة الخير من جهة أمره تعالى رسوله بهذا التبليغ، فكأنه إشهاد على نفسه بالتزام المغفرة والرحمة. وكونه أضاف العباد إليه فهو تشريف لهم، وتأكيد اسم أن بقوله: أنا. وإدخال أل على هاتين الصفتين وكونهما جاءتا بصيغة المبالغة والبداءة بالصفة السارة أولا وهي الغفران، واتباعها بالصفة التي نشأ عنها الغفران وهي الرحمة. وروي في الحديث: (لو
(٤٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 440 441 442 443 444 445 446 447 448 449 450 ... » »»