العبد لو علم قدر عفو الله لما أمسك عن ذنب، ولو علم قدر عقوبته لقمع نفسه في عبادة الله عز وجل).
* (ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه اية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) *: عن ابن عباس: لما نزلت وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم) يده على صدره فقال: (أنا منذر) وأومأ بيده إلى منكب علي وقال: (أنت الهادي يا علي، بك يهتدى من بعدي)، وقال القشيري: نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم) وعلي بن أبي طالب، والذين كفروا مشركو العرب، أو من أنكر نبوته من مشركيهم والكفار، ولم يعتدوا بالآيات الخارقة المنزلة كانشقاق القمر، وانقياد الشجر، وانقلاب العصا سيفا، ونبع الماء من بين الأصابع، وأمثال هذه. فاقترحوا عنادا آيات كالمذكورة في سبحان، وفي الفرقان كالتفجير للينبوع، والرقي في السماء، والملك، والكنز، فقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم): إنما أنت منذر تخوفهم من سوء العاقبة، وناصح كغيرك من الرسل، ليس لك الإتيان بما اقترحوا. إذ قد أتى بآيات عدد الحصا، والآيات كلها متماثلة في صحة الدعوى، لا تفاوت فيها. فالاقتراح إنما هو عناد، ولم يجر الله العادة بإظهار الآيات المقترحة إلا للآية التي حتم بعذابها واستئصالها.
وهاد: يحتمل أن يكون قد عطف على منذر، وفصل بينهما بقوله لكل قوم، وبه قال: عكرمة، وأبو الضحى. فإن أخذت: ولكل قوم هاد، على العموم فمعناه: وداع إلى الهدى، كما قال: * (* بعثت إلى الأسود والأحمر) * فإن أخذت هاد على حقيقته فلكل قوم مخصوص أي: ولكل قوم قائلين هاد. وقيل: ولكل أمة سلفت هاد أي: نبي يدعوهم، والقصد: فليس أمرك ببدع ولا منكر، وبه قال: مجاهد، وابن زيد، والزجاج قال: نبي يدعوهم بما يعطي من الآيات، لا بما يتحكمون فيه من الاقتراحات. وتبعهم الزمخشري. فقال: هاد من الأنبياء يهديهم إلى الدين، ويدعوهم إلى الله بوجه من الهداية، وبآية خص بها، ولم يجعل الأشياء شرعا واحدا في آيات مخصوصة. وقالت فرقة: الهادي في هذه الآية هو الله تعالى، روي أن ذلك عن ابن عباس، ومجاهد، وابن جبير، وهاد: على هذا مخترع للإرشاد. قال ابن عطية: وألفاظ تتعلق بهذا المعنى، وتعرف أن الله تعالى هو الهادي من غير هذا الموضع. وقال الزمخشري: في هذا القول وجه آخر: وهو أن يكون المعنى: أنهم يجحدون كون ما أنزل عليك آيات ويعاندون، فلا يهمنك ذلك، إنما أنت منذر، فما عليك إلا أن تنذر، لا أن تثبت الإيمان بالإلجاء، والذي يثبته بالإلجاء هو الله تعالى انتهى. ودل كلامه على الاعتزال. وقال في معنى القول الذي تبع فيه مجاهد، وابن زيد ما نصه: ولقد دل بما أردفه من ذكر آيات علمه وتقديره الأشياء على قضايا حكمته، أن أعطاء كل منذر آيات أمر مدبر بالعلم النافذ، مقدر بالحكمة الربانية. ولو علم في إجابتهم إلى مقترحهم خيرا أو مصلحة لأجابهم إليه. وقال الزمخشري أيضا في معنى أن الهادي هو الله تعالى أي: بالإلجاء على زعمه ما نصه: وأما هذا الوجه الثاني فقد دل به على أن من هذه القدرة قدرته وهذا علمه، هو القادر وحده على هدايتهم العالم بأي طريق يهديهم، ولا سبيل إلى ذلك لغيره انتهى. وقالت فرقة: الهادي علي بن أبي طالب، وإن صح ما روي عن ابن عباس مما ذكرناه في صدر هذه الآية، فإنما جعل الرسول صلى الله عليه وسلم) علي بن أبي طالب مثالا من علماء الأمة وهداتها إلى الدين، فكأنه قال: أنت يا علي هذا وصفك، ليدخل في ذلك أبو بكر وعمر وعثمان وسائر علماء الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ثم كذلك علماء كل عصر، فيكون المعنى على هذا: إنما أنت يا محمد منذر، ولكل قوم في القديم والحديث دعاة هداة إلى الخير. وقال أبو العالية: الهادي العل. وقال علي بن عيسى: ولكل قوم سبقهم إلى الهدى إلى نبي أولئك القوم. وقيل: هود قائد إلى الخير أو إلى الشر قال تعالى في الخير: * (وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد) * وقال في الشر: * (فاهدوهم إلى صراط الجحيم) * قاله أبو صالح. ووقف ابن كثير على هاد وواق حيث واقعا، وعلى وال هنا وباق في النخل بإثبات الياء، وباقي السبعة بحذفها. وفي الإقناع لأبي جعفر بن الباذش عن ابن مجاهد: الوقف على ميع الباب لابن كثير بالياء، وهذا لا يعرفه المكيون. وفيه عن أبي يعقوب الأزرق عن ورش أنه خيره في الوقف في جميع الباب، بين أن يقف بالياء، وبين أن يقف بحذفها. والباب هو كل منقوص منون غير منصرف.