قبل، فاتفق أن صدق ظنه هناك، ولم يتحقق هنا. وقال الزمخشري: بل سولت لكم أنفسكم أمرا أردتموه، وإلا فما أدري ذلك الرجل أن السارق يؤخذ بسرقته لولا فتواكم وتعليمكم. وتقدم شرح سولت، وإعراب فصبر جميل. ثم ترجى أن الله يجمعهم عليه وهم: يوسف، وبنيامين، وكبيرهم على الخلاف الذي فيه. وترجى يعقوب للرؤيا التي رآها يوسف، فكان ينتظرها ويحسن ظنه بالله في كل حال. ولما أخبر به عن ملك مصر أنه يدعو له برؤية ابنه، ووصفه الله بهاتين الصفتين لأئق بما يؤخره تعالى من لقاء بنيه، وتسليم لحكمة الله فيما جرى عليه.
* (وتولى عنهم وقال ياأسفا وقال ياأسفا على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم * قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين * قال إنما أشكو بثى وحزنى إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون * يبنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تايئسوا من روح الله إنه لا يايئس من روح الله إلا القوم الكافرون) *: وتولى عنهم أي أعرض عنهم كراهة لما جاؤوا به، وأنه ساء ظنه بهم، ولم يصدق قولهم، وجعل يتفجع ويتأسف. قال الحسن: خصت هذه الأمة بالاسترجاع. ألا ترى إلى قول يعقوب: يا أسفي، ونادى الأسف على سبيل المجاز على معنى: هذا زمانك فاحضر. والظاهر أنه يضاف إلى ياء المتكلم قلبت ألفا، كما قالوا: في يا غلامي يا غلاما. وقيل: هو على الندبة، وحذف الهاء التي للسكت. قال الزمخشري: والتجانس بين لفظتي الأسف ويوسف مما يقع مطبوعا غير مستعمل فيملح ويبدع، ونحوه: اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم، وهم ينهون عنه وينأون عنه يحسبون أنهم يحسنون صنعا من سبأ بنبأ انتهى. ويسمى هذا تجنيس التصريف، وهو أن تنفرد كل كلمة من الكلمتين عن الأخرى بحرف. وذكر يعقوب ما دهاه من أمر بنيامين، والقائل لن أبرح الأرض فقدانه يوسف، فتأسف عليه وحده، ولم يتأسف عليهما، لأنه هو الذي لا يعلم أحي هو أم ميت؟ بخلاف أخوته. ولأنه كان أصل الرزايا عنده، إذ ترتبت عليه، وكان أحب أولاده إليه، وكان دائما يذكره ولا ينساه. وابيضاض عينيه من توالي العبرة، فينقلب سواد العين إلى بياض كدر. والظاهر أنه كان عمي لقوله: فارتد بصيرا. وقال: * (وما يستوى الاعمى والبصير) * فقابل البصير بالأعمى. وقيل: كان يدرك ادراكا ضعيفا، وعلل الابيضاض بالحزن، وإنما هو من البكاء المتوالي، وهو ثمرة الحزن، فعلل بالأصل الذي نشأ منه البكاء وهو الحزن. وقرأ ابن عباس ومجاهد: من الحزن بفتح الحاء والزاي، وقتادة: بضمها، والجمهور: بضم الحاء وإسكان الزاي. والكظيم إما للمبالغة وهو الظاهر اللائق بحال يعقوب أي : شديد الكظم كما قال: * (والكاظمين الغيظ) * ولم يشك يعقوب إلى أحد، وإنما كان يكتمه في نفسه، ويمسك همه في صدره، فكان يكظمه أي: يرده إلى قلبه ولا يرسله بالشكوى والغضب والضجر. وإما أن يكون فعيلا بمعنى مفعول، وهو لا ينقاس، وقاله قوم كما قال في يونس: * (إذ نادى وهو مكظوم) *. قال ابن عطية: وإنما يتجه على تقدير أنه مليء بحزنه، فكأنه كظم حزنه في صدره. وفسر ناس الكظيم بالمكروب وبالمكمود. وروي: أنه ما جفت عيناه من فراق يوسف إلى