أي: إلى النار وفأوردهم، فأعمل الثاني وحذف معمول الأول. والهمزة في فأوردهم للتعدية، ورد يتعدى إلى واحد، فلما أدخلت الهمزة تعدى إلى اثنين، فتضمن واردا ومورودا. ويطلق الورد على الوارد، فالورد لا يكون المورود، فاحتيج إلى حذف ليطابق فاعل بئس المخصوص بالذم، فالتقدير: وبئس مكان الورد المورود ويعني به النار. فالورد فاعل ببئس، والمخصوص بالذم المورود وهي النار. ويجوز في إعراب المورود ما يجوز في زيد من قولك: بئس الرجل زيد، وجوز ابن عطية وأبو البقاء أن يكون المورود صفة للورد أي: بئس مكان الورد المورود النار، ويكون المخصوص محذوفا لفهم المعنى، كما حذف في قوله: * (فبئس المهاد) * وهذا التخريج يبتني على جواز وصف فاعل نعم وبئس، وفيه خلاف. ذهب ابن السراج والفارسي إلى أن ذلك لا يجوز، وقال الزمخشري: والورد المورود الذي وردوه شبهه بالفارط الذي يتقدم الواردة إلى الماء، وشبه اتباعه بالواردة، ثم قيل: بئس الورد الذي يردونه النار، لأن الورد إنما يورد لتسكين العطش وتبريد الأكباد، والنار ضده انتهى. وقوله: والورد المورود إطلاق الورد على المورود مجاز، إذ نقلوا أنه يكون صدرا بمعنى الورود، أو بمعنى الواردة من الإبل وتقديره: بئس الورد الذي يردونه النار، يدل على أن المورود صفة للورد، وأن المخصوص بالذم محذوف، ولذلك قدره النار. وقد ذكرنا أن ذلك يبتني على جواز وصف فاعل بئس ونعم. وقيل: التقدير بئس القوم المورود بهم هم، فيكون الورد عنى به الجمع الوارد، والمورود صفة لهم، والمخصوص بالذم الضمير المحذوف وهو هم، فيكون ذلك ذما للواردين، لإذ ما لموضع الورود. والإشارة بقوله: في هذه إلى الدنيا وقد جاء مصرحا بها في قصة هود، ودل عليها قوله: ويوم القيامة، لأنه الآخرة. فيوم معطوف على موضع في هذه، والمعنى: أنهم ألحقوا لعنة في الدنيا وفي الآخرة. قال الكلبي: في هذه لعنة من المؤمنين أو بالغرق، ويوم القيامة من الملائكة أو بالنار. وقال مجاهد: فلهم لعنتان، وذهب قوم إلى أن التقسيم هو أن لهم في الدنيا لعنة، ويوم القيامة يرفدون به فهي لعنة واحدة أولا، وقبح ارفاد آخر انتهى. وهذا لا يصح لأن هذا التأويل يدل على أن يوم القيامة معمول لبئس، وبئس لا يتصرف، فلا يتقدم معمولها عليها، فلو تأخر يوم القيامة صح كما قال الشاعر:
* ولنعم حشو الدرع أنت إذا * دعيت نزال ولج في الذعر * . وقال الزمخشري: بئس الرفد المرفود رفدهم، أي: بئس العون المعان، وذلك أن اللعنة في الدنيا رفد للعذاب ومدد له، وقد رفدت باللعنة في الآخرة. وقيل: بئس العطاء المعطى انتهى. ويظهر من كلامه أن المرفود صفة للرفد، وأن المخصوص بالذم محذوف تقديره: رفدهم، وما ذكر من تفسيره أي بئس العون المعان هو قول أبي عبيدة، وسمى العذاب رفدا على نحو قولهم: تحية بينهم ضرب وجيع. وقال الكلبي: الرفد الرفادة أي بئس ما يرفدون به بعد الغرق النار.
* (ذالك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد * وما ظلمناهم ولاكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم ءالهتهم التى يدعون من دون الله من شىء لما جاء أمر) *: الإشارة بذلك إلى ما تقدم من ذكر الأنبياء وقومهم، وما حل بهم من العفو، بات أي ذلك النباء بعض أنباء القرى. ويحتمل أن يعني بالقرى قرى أولئك المهلكين المتقدم ذكرهم، وأن يعني القرى عموما أي: