أن تقابل بغير ما تفعلون، أو أراكم بخير فلا تزيلوه عنكم بما أنتم عليه. يوم محيط أي: مهلك من قوله: * (وأحيط بثمره) * وأصله من إحاطة العدو، وهو العذاب الذي حل بهم في آخره. ووصف اليوم بالإحاطة أبلغ من وصف العذاب به، لأن اليوم زمان يشتمل على الحوادث، فإذا أحاط بعذابه فقد اجتمع للمعذب ما اشتمل عليه منه، كما إذا أحاط بنعيمه. ونهوا أولا: عن القبيح الذي كانوا يتعاطونه وهو نقص المكيال والميزان، وفي التصريح بالنهي نعي على المنهى وتعيير له. وأمروا ثانيا: بإيفائهما مصرحا بلفظهما ترغيبا في الإيفاء، وبعثا عليه. وجئ بالقسط ليكون الإيفاء على جهة العدل والتسوية وهو الواجب، لأن ما جاوز العدل فضل وأمر منذوب إليه. ونهوا ثالثا: عن نقص الناس أشياءهم، وهو عام في الناس، وفيما بأيديهم من الأشياء كانت مما تكال وتوزن أو غير ذلك. ونهوا رابعا: عن الفساد في الأرض وهو أعم من أن يكون نقصا أو غيره، فبدأهم أولا بالمعصية الشنيعة التي كانوا عليها بعد الأمر بعبادة الله، ثم ارتقى إلى عام، ثم إلى أعم منه وذلك مبالغة في النصح لهم ولطف في استدراجهم إلى طاعة الله. وتفسير معاني هذه الجمل سبق في الأعراف. بقية الله قال ابن عباس: ما أبقى الله لكم من الحلال بعد الإيفاء خير من البخس، وعنه رزق الله. وقال مجاهد والزجاج: طاعة الله. وقال قتادة: حظكم من الله. وقال ابن زيد: رحمة الله. وقال قتادة: ذخيرة الله. وقال الربيع: وصية الله. وقال مقاتل: ثواب الله في الآخرة، وذكر الفراء: مراقبة الله. وقال الحسن: فرائض الله. وقيل: ما أبقاه الله حلالا لكم ولم يحرمه عليكم. قال ابن عطية: وهذا كله لا يعطيه لفظ الآية، وإنما المعنى عندي إبقاء الله عليكم إن أطعتم. وقوله: إن كنتم مؤمنين، شرط في أن يكون البقية خيرا لهم، وأما من الكفر فلا خير لهم في شيء من الأعمال. وجواب هذا الشرط متقدم. والحفيظ المراقب الذي يحفظ أحوال من يرقب، والمعنى: إنما أنا مبلغ، والحفيظ المحاسب هو الذي يجازيكم بالأعمال انتهى. وليس جواب الشرط متقدما كما ذكر، وإنما الجواب محذوف لدلالة ما تقدم عليه على مذهب جمهور البصريين. وقال الزمخشري: وإنما خوطبوا بترك التطفيف والبخس والفساد في الأرض وهم كفرة بشرط الإيمان، ويجوز أن يريد ما يبقى لهم عند الله من الطاعات كقوله: * (والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا) * وإضافة البقية إلى الله من حيث أنها رزقه الذي يجوز أن يضاف إليه، وأما الحرام فلا يجوز أن يضاف إلى الله، ولا يسمى رزقا انتهى، على طريق المعتزلة في الرزق، وقرأ إسماعيل بن جعفر عن أهل المدينة: بقية بتخفيف الياء. قال ابن عطية: هي لغة انتهى. وذلك أن قياس فعل اللازم أن يكون على وزن فعل نحو: سجيت المرأة فهي سجية، فإذا شددت الياء كان على وزن فعيل للمبالغة. وقرأ الحسن: تقية بالتاء، وهي تقواه ومراقبته الصارفة عن المعاصي.
* (قالوا يأبانا * شعيب * بحفيظ * قالوا ياشعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد ءاباؤنا أو أن نفعل فى أموالنا ما نشؤا إنك لانت الحليم الرشيد * قال ياقوم أرءيتم إن كنت على بينة من ربى ورزقنى منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما) *: لما أمرهم شعيب بعبادة الله عبادة أوثانهم، وبإيفاء المكيال والميزان، ردوا عليه على سبيل الاستهزاء والهزء بقولهم: أصلاتك، وكان كثير الصلاة، وكان إذا صلى تغامزوا وتضاحكوا أن نترك ما يعبد آباؤنا مقابل لقوله: * (اعبدوا الله ما لكم من إلاه غيره) * أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء مقابل لقوله: * (ولا تنقصوا المكيال والميزان) * وكون الصلاة آمرة هو على وجه المجاز، كما كانت ناهية في قوله: * (اتل ما أوحى إليك من الكتاب) * أو يقال: إنها تأمر بالجميل والمعروف أي: تدعو إليه وتبعث عليه. إلا أنهم ساقوا الكلام مساق الطنز، وجعلوا الصلاة آمرة على سبيل التهكم بصلاته. والمعنى: فأمرك بتكليفنا أن نترك، فحذف