وعمارات حراصا عليها أشد الحرص، فكانوا أحوج شيء إلى الماء، وكانوا مدلين بما أوتوا من هذه القوة والبطش والبأس مهيئين في كل ناحية. وقيل: أراد القوة في المال، وقيل: في النكاح. قيل: وحبس عنهم المطر ثلاث سنين، وعقمت أرحام نسائهم. وقد انتزع الحسن بن علي رضي الله عنه من هذا ومن قوله: ويمددكم بأموال وبنين، أن كثرة الاستغفار قد يجعله الله سببا لكثرة الولد. وأجاب من سأله وأخبره أنه ذو مال ولا يولد له بالاستغفار، فأكثر من ذلك فولد له عشر سنين. وروى أبو صالح عن ابن عباس في قوله: ويزدكم قوة إلى قوتكم، أنه الولد وولد الولد. وقال مجاهد وابن زيد: في الجسم والبأس، وقال الضحاك: خصبا إلى خصبكم، وقيل: نعمة إلى نعمته الأولى عليكم، وقيل: قوة في إيمانكم إلى قوة في أبدانكم.
* (قالوا يأبانا * هود * ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركى ءالهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين * إن نقول إلا اعتراك بعض ءالهتنا بسوء قال إنى أشهد الله واشهدوا أنى برىء مما تشركون * من دونه فكيدونى جميعا ثم لا تنظرون * إنى توكلت على الله ربى وربكم ما من دابة إلا هو ءاخذ بناصيتها إن ربى على صراط مستقيم * فإن) *: ببينة أو بحجة واضحة تدل على صدقك، وقد كذبوا في ذلك وبهتوه كما كذبت قريش في قولهم: * (لولا أنزل عليه ءاية من ربه) * وقد جاءهم بآيات كثيرة، أو لعمائهم عن الحق وعدم نظرهم في الآيات اعتقدوا ما هو آية ليس بآية فقالوا: ما جئتنا ببينة تلجئنا إلى الإيمان، وإلا فهود وغيره من الأنبياء لهم معجزات وإن لم يعين لنا بعضها. ألا ترى إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم): * (ما من * نبى إلا * وقد * أوتي * من الايات ما * مثله * من * عليه * البشر) * وعن في عن قولك حال من الضمير في تاركي آلهتنا، كأنه قيل: صادرين عن قولك، قاله الزمخشري. وقيل: عن للتعليل كقوله تعالى: * (إلا عن موعدة وعدها إياه) * فتتعلق بتاركي، كأنه قيل لقولك، وقد أشار إلى التعليل والسبب فيها ابن عطية، فقال: أي لا يكون قولك سببا لتركنا، إذ هو مجرد عن آية، والجملة بعدها تأكيد وتقنيط له من دخولهم في دينه، ثم نسبوا ما صدر منه من دعائهم إلى الله وإفراده بالألوهية إلى الخبل والجنون، وأن ذلك مما اعتراه به بعض آلهتهم لكونه سبها وحرض على تركها ودعا إلى ترك عبادتها، فجعلته يتكلم مكافأة بما يتكلم به المجانين، كما قالت قريش: معلم مجنون * (أم يقولون به جنة) * واعتراك جملة محكية بنقول، فهي في موضع المفعول، ودلت على بله شديد وجهل مفرط، حيث اعتقدوا في حجارة أنها تنتصر وتنتقم. وقول هود لهم في جواب ذلك: إني أشهد الله إلى آخره، حيث تبرأ من آلهتهم، وحرضهم كلهم مع انفراده وحده على كيده بما يشاؤون، وعدم تأخره من أعظم الآيات على صدقه وثقته بموعود ربه من النصر له، والتأييد والعصمة من أن ينالوه بمكروه، هذا وهم حريصون على قتله يرمونه عن قوس واحدة. ومثله قول نوح لقومه: * (ثم * اقضوا إلى ولا تنظرون) * وأكد براءته من آلهتهم وشركهم، ووفقها بما جرت عليه عادة الناس من توثيقهم الأمر بشهادة الله وشهادة العباد.
قال الزمخشري: (فإن قلت): هلا قيل: إني أشهد الله وأشهدكم (قلت): لأن إشهاد الله على البراءة من الشرك إشهاد صحيح ثابت في معنى تثبيت التوحيد، وأما إشهادهم فما هو إلا تهاون بدينهم ودلالة على قلة المبالاة بهم فحسب، فعدل به عن لفظ الأول لاختلاف ما بينهما، وجئ به على لفظ الأمر بالشهادة انتهى. وإني بريء تنازع فيه أشهد واشهدوا، وقد يتنازع المختلفان في التعدي الاسم الذي يكون صالحا، لأن يعملا فيه تقول أعطيت زيدا ووهبت لعمرو دينارا، كما يتنازع اللازم والمتعدي نحو: قام وضربت زيدا. وما في ما تشركون موصولة، إما مصدرية، وإما بمعنى الذي أي: بريء من إشراككم آلهة من دونه، أو