تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٢٢٦
ومرساها بفتح الميمين، ظرفي زمان أو مكان، أو مصدرين على التقارير السابقة. وقرأ الضحاك، والنخعي، وابن وثاب، وأبو رجاء، ومجاهد، وابن جند، والكلبي، والجحدري، مجريها ومرسيها اسمي فاعل من أجرى وأرسى على البدل من اسم الله، فهما في موضع خبر، ولا يكونان صفتين لكونهما نكرتين. وقال ابن عطية: وهما على هذه القراءة صفتان عائدتان على ذكره في قولهم بسم الله انتهى. ولا يكونان صفتين إلا على تقدير أن يكونا معرفتين. وقد ذهب الخليل إلى أن ما كانت إضافته غير محضة قد يصح أن تجعل محضة، فتعرف إلا ما كان من الصفة المشبهة فلا تتمحض إضافتها فلا تعرف. إن ربي لغفور ستور عليكم ذنوبكم بتوبتكم وإيمانكم، رحيم لكم إذا نجاكم من الغرق. وروي في الحديث: (أن نوحا ركب في السفينة أول يوم من رجب، وصام الشهر أجمع) وعن عكرمة: لعشر خلون من رجب. وهي تجري بهم إخبار من الله تعالى بما جرى للسفينة، وبهم حال أي: ملتبسة بهم، والمعنى: تجري وهم فيها في موج كالجبال، أي في موج الطوفان شبه كل موجة منه بجبل في تراكمها وارتفاعها. روي أن السماء أمطرت جميعها حتى لم يكن في الهواء جانب إلا أمطر، وتفجرت الأرض كلها بالنبع، وهذا معنى التقاء الماء. وروي أن الماء علا على الجبال وأعالي الأرض أربعين ذراعا، وقيل: خمسة عشر. وكون السفينة تجري في موج دليل على أنه كان في الماء موج، وأنه لم يطبق الماء ما بين السماء والأرض، وأن السفينة لم تكن تجري في جوف الماء والماء أعلاها وأسفلها، فكانت تسبح في الماء كما تسبح السمكة، كما أشار إليه الزجاج والزمخشري وغيرهما. وقد استبعد ابن عطية هذا قال: وأين كان الموج كالجبال على هذا؟ ثم كيف استقامت حياة من في السفينة؟ وأجاب الزمخشري: بأن الجريان في الموج كان قبل التطبيق، وقيل أن يعم الماء الجبال. ألا ترى إلى قول ابنه: سآوي إلى جبل يعصمني من الماء. ونادى نوح ابنه، الواو لا ترتب. وهذا النداء كان قبل جري السفينة في قوله: وهي تجري بهم في موج، وفي إضافته إليه هنا وفي قوله: إن ابني من أهلي، وندائه دليل على أنه ابنه لصلبه، وهو قول: ابن مسعود، وابن عباس، وعكرمة، والضحاك، وابن جبير، وميمون بن مهران، والجمهور، واسمه كنعان. وقيل: يام، وقيل: كان ابن قريب له ودعاه بالبنوة حنانا منه وتلطفا. وقرأ الجمهور: بكسر تنوين نوح، وقرأ وكيع بن الجراح: بضمه، أتبع حركته حركة الإعراب في الحاء. قال أبو حاتم: هي لغة سوء لا تعرف. وقرأ الجمهور: بوصل هاء الكناية بواو، وقرأ ابن عباس: أنه بسكون الهاء، قال ابن عطية وأبو الفضل الرازي: وهذا على لغة الأزد الشراة، يسكنون هاء الكناية من المذكر، ومنه قول الشاعر:
ونضواي مشتاقان له أرقان وذكر غيره أنها لغة لبني كلاب وعقيل، ومن النحويين من يخص هذا السكون بالضرورة وينشدون:
* وأشرب الماء ما بي نحوه عطش * إلا لأن عيونه سيل واديها * وقرأ السدي ابناه بألف وهاء السكت. قال أبو الفتح: ذلك على النداء. وذهبت فرقة إلى أنه على الندبة والرثاء. وقرأ علي، وعروة، وعلي بن الحسين، وابنه أبو جعفر، وابنه جعفر: ابنه بفتح الهاء من غير ألف أي: ابنها مضافا لضمير امرأته، فاكتفى بالفتحة عن الألف. قال ابن عطية: وهي لغة، ومنه قول الشاعر:
* إما تقود بها شاة فتأكلها * أو أن تبيعه في بعض الأراكيب *
(٢٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 ... » »»