مبنيا للمفعول، أنه بفتح الهمزة. وقرأ أبو البر هشيم: وأوحي مبنيا للفاعل، إنه بكسر الهمزة على إضمار القول على مذهب البصريين، وعلى إجراء أوحى مجرى قال: على مذهب الكوفيين، أيأسه الله من إيمانهم، وأنه صار كالمستحيل عقلا بأخباره تعالى عنهم. ومعنى إلا من قد آمن أي: من وجد منه ما كان يتوقع من إيمانه، ونهاه تعالى عن ابتآسه بما كانوا يفعلون، وهو حزنه عليهم في استكانة. وابتأس افتعل من البؤس، ويقال: ابتأس الرجل إذا بلغه شيء يكرهه، وقال الشاعر:
* وكم من خليل أو حميم رزئته * فلم نبتئس والرزء فيه جليل * وقال آخر:
* ما يقسم الله أقبل غير مبتئس * منه واقعد كريما ناعم البال * وقال آخر:
* فارس الخيل إذا ما ولولت * ربة الخدر بصوت مبتئس * وقال آخر:
* في مأتم كنعاج صا * رة يبتئسن بما لقينا * صارة موضع بما كانوا يفعلون من تكذيبك وإيذائك ومعاداتك، فقد حان وقت الانتقام منهم. واصنع عطف على فلا تبتئس، بأعيننا بمرأى منا، وكلاءة وحفظ فلا تزيغ صنعته عن الصواب فيها، ولا يحول بين العمل وبينه أحد. والجمع هنا كالمفرد في قوله: ولتصنع على عيني، وجمعت هنا لتكثير الكلاءة والحفظ وديمومتها. وقرأ طلحة بن مصرف: باعينا مدغمة. ووحينا نوحي إليك ونلهمك كيف تصنع. وعن ابن عباس: لم يعلم كيف صنعة الفلك، فأوحى الله أن يصنعها مثل جؤجؤ الطائر. قيل: ويحتمل قوله بأعيننا أي بملائكتنا الذي نجعلناهم عيونا على مواضع حفظك ومعونتك، فيكون اللفظ هنا للجمع حقيقة. وقول من قال: معنى ووحينا بأمرنا لك أو بعلمنا ضعيف، لأن قوله: واصنع الفلك، مغن عن ذلك. وفي الحديث: (كان زان سفينة نوح جبريل) والزان القيم بعمل السفينة. والذين ظلموا قوم نوح، تقدم إلى نوح أن لا يشفع فيهم فيطلب إمهالهم، وعلل منع مخاطبته بأنه حكم عليهم بالغرق، ونهاه عن سؤال الإيجاب إليه كقوله: * (منيب يإبراهيم أعرض عن هاذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم اتيهم عذاب غير مردود) * وقيل الذين ظلموا واعلة زوجته وكنعان ابنه.
ف * (ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون) * ويصنع الفلك حكاية حال ماضية، والفلك السفينة. ولما أمره تعالى بأن يصنع الفلك قال: يا رب ما أنا بنجار، قال: بلى، ذلك بعيني. فأخذ القدوم، وجعلت