يقال له: إما أن تسلم، وإما أن تقتل. وفيها دلالة على أنه بعد سماع كلام الله لا يقر بأرض الإسلام، بل يبلغ مأمنه، وأنه يجب حفظه وحوطته مدة يسمع فيها كلام الله. والخطاب بقوله: استجارك وفأجره، يدل على أن أمان السلطان جائز، وأما غيره فالحر يمضي أمانه. وقال ابن حبيب: ينظر الإمام فيه والعبد. قال الأوزاعي، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، ومحمد بن الحسن، وأبو ثور، وداود: له الأمان، وهو مشهور مذهب مالك. وقال أبو حنيفة: لا أمان له، وهو قول في مذهب مالك. والحرة لها الأمان على قول الجمهور. وقال عبد الملك بن الماجشون: لا، إلا أن يجيره الإمام، وقوله شاذ. والصبي إذا أطاق القتال جاز أمانه، ذلك بأنهم قوم لا يعلمون، أي ذلك الأمر بالإجارة وإبلاغ المأمن، بسبب أنهم قوم جهلة لا يعلمون ما الإسلام وما حقيقة ما تدعو إليه، فلا بد من إعطائهم الأمان حتى يسمعوا ويفهموا الحق، قاله الزمخشري. وقال ابن عطية: إشارة إلى هذا اللطف في الإجارة والإسماع وتبليغ المأمن، لا يعلمون نفي علمهم بمراشدهم في اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم).
* (كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم) * هذا استفهام معناه التعجب والاستنكار والاستبعاد. قال التبريزي والكرماني: معناه النفي، أي لا يكون لهم عهد وهم لكم ضد. ونبه على علة انتفاء العهد بالوصف الذي قام به وهو الإشراك. وقال القرطبي: وفي الآية إضمار، أي كيف يكون للمشركين عهد مع إضمار الغدر والنكث؟ انتهى. والاستفهام يراد به النفي كثيرا، ومنه قول الشاعر:
* فها ذي سيوف يا هدى بن مالك * كثير ولكن ليس بالسيف ضارب * أي ليس بالسيف ضارب. ولما كان الاستفهام معناه النفي، صلح مجيء الاستثناء وهو متصل. وقيل: منقطع، أي لكن الذين عاهدتم منهم عند المسجد الحرام. قال الحوفي: ويجوز أن يكون الذين في موضع خبر على البدل من المشركين، لأن معنى ما تقدم النفي، أي: ليس يكون للمشركين عهد إلا الذين لم ينكثوا. قال ابن عباس: هم قريش. وقال السدي: بنو جذيمة بن الديل. وقال ابن إسحاق: قبائل بني بكر كانوا دخلوا وقت الحديبية في المدة التي كانت بين الرسول صلى الله عليه وسلم) وقريش. وقال الزمخشري: كبني كنانة وبني ضمرة. وقال قوم منهم مجاهد: هم خزاعة ورد بإسلامهم عام الفتح. وقال ابن زيد: هم قريش نزلت فلم يستقيموا، فنزل تأجيلهم أربعة أشهر بعد ذلك. وضعف هذا القول بأن قريشا بعد الأذان بأربعة أشهر لم يكن فيهم إلا مسلم، وذلك بعد فتح مكة بسنة، وكذلك خزاعة قاله الطبري. فما استقاموا لكم على العهد فاستقيموا لهم على الوفاء.
وجوز أبو البقاء أن يكون خبر يكون كيف، لقوله: كيف كان عاقبة مكرهم، وأن يكون الخبر للمشركين. وعند على هذين ظرف للعهد، أو ليكون، أو للحال، أو هي وصف للعهد. وأن يكون الخبر عند الله، وللمشركين تبيين، أو تعلق بيكون، وكيف حال من العهد انتهى. والظاهر أن ما مصدرية ظرفية، أي: استقيموا لهم مدة استقامتهم، وليست شرطية. وقال أبو البقاء: هي شرطية كقوله: * (ما يفتح الله للناس من رحمة) * انتهى. فكان التقدير: ما استقاموا لكم من زمان فاستقيموا لهم. وقال الحوفي: ما شرط في موضع رفع بالابتداء، والخبر استقاموا، ولكم متعلق باستقاموا، فاستقيموا لهم الفاء جواب الشرط انتهى. فكان التقدير فأي: وقت استقاموا فيه لكم فاستقيموا لهم. وإنما جوز أن تكون شرطية لوجود الفاء في فاستقيموا، لأن المصدرية الزمانية لا