تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ١٠
يشبه نظر الحسن، وبيانه أن ذلك اليوم كان المفتتح بالحق وأمارة الإسلام بتقديم رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ونبذت فيه العهود، وعز فيه الدين، وذل فيه الشرك، ولم يكن ذلك في عام ثمان حين ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم) عتاب بن أسد كان أمير العرب على أوله، فكل حج بعد حج أبي بكر فمتركب عليه، فحقه لهذا أن يسمى أكبر انتهى. ومن قال: إنه يوم عرفة، فسمي الأكبر لأنه معظم واجباته، فإذا فات فات الحج. ومن قال: إنه يوم منى فلأن فيه معظم الحج، وتمام أفعاله من الطواف والنحر والحلق والرمي. وقيل: وصف بالأكبر لأن العمرة تسمى بالحج الأصغر. وقال منذر بن سعيد وغيره: كان الناس يوم عرفة مفترقين إذا كانت الحمس تقف بالمزدلفة، وكان الجمع يوم النحر بمنى، ولذلك كانوا يسمونه يوم الحج الأكبر أي الأكبر من الأصغر الذي هم فيه مفترقون. وقد ذكر المهدوي: أن الحمس ومن اتبعها وقفوا بالمزدلفة في حجة أبي بكر رضي الله عنه. وحكى القرطبي عن ابن سيرين: أن يوم الحج الأكبر أراد به العام الذي حج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم) في حجة الوداع، وحج معه الأمم، وهذا يحتاج إلى إضمار، كأنه قال: هذا الأذان حكمه متحقق يوم الحج الأكبر وهو عام حج رسول الله صلى الله عليه وسلم) انتهى. وسمي أكبر لأنه فيه ثبتت مناسك الحج. وقال فيه: (خذوا عني مناسككم) وجملة براءة من الله ورسوله إخبار بثبوت البراءة، وجملة وأذان من الله ورسوله إخبار بوجوب الإعلام بما ثبت، فافترقتا وعلقت البراءة بالمعاهدين لأنها مختصة بهم ناكثيهم وغير ناكثيهم، وعلق الأذان بالناس لشموله معاهدا وغيره ناكثا، وغيره مسلما وكافرا، هذا هو قول الجمهور. قيل: ويجوز أن يكون الخطاب للكفار بدليل آخر الآية، وبدليل مناداة علي بالجمل الأربع. فظاهره أن المخاطب بتلك الجمل الكفار، ولما كان المجرور خبرا عن قوله وأذان، كان بإلى أي مفتد إلى الناس وواصل إليهم. ولو كان المجرور في موضع المفعول لكان باللام، ومن في من المشركين متعلقة بقوله بريء تعلق المفعول. تقول: برئت منك، وبرئت من الدين بخلاف من في قوله: براءة من الله، فإنها في موضع الصفة * (فإن تبتم) * أي: من الشرك الموجب لتبرىء الله ورسوله منكم. * (فهو) * أي التوب * (خير لكم) * في الدنيا لعصمة أنفسكم وأولادكم وأموالكم، وفي الآخرة لدخولكم الجنة وخلاصكم من النار. * (وإن توليتم) * أي عن الإسلام * (فاعلموا أنكم غير معجزى الله) * أي لا تفوتونه عما يحل بكم من نقماته * (وبشر الذين كفروا بعذاب أليم) * جعل الإنذار بشارة على سبيل الاستهزاء بهم، والذين كفروا عام يشمل المشركين عبدة الأوثان وغيرهم، وفي هذا وعيد عظيم بما يحل بهم.
* (إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن) * قال قوم: هذا استثناء منقطع، التقدير: لكن الذين عاهدتم فثبتوا على العهد أتموا إليهم عهدهم. وقال قوم منهم الزجاج: هو استثناء متصل من قوله: إلى الذين عاهدتم من المشركين. وقال الزمخشري: وجهه أن يكون مستثنى من قوله: * (فسيحوا فى الارض) * لأن الكلام خطاب للمسلمين ومعناه: براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين، فقولوا لهم: سيحوا، إلا الذين عاهدتم منهم، ثم لم ينقضوا فأتموا إليهم عهدهم. والاستثناء بمعنى الاستدراك، كأنه قيل بعد أن أمروا في الناكثين: ولكن الذين لم ينكثوا فأتموا إليهم عهدهم ولا تجروهم مجراهم، ولا تجعلوا الوفي كالغادر. وقيل: هو استثناء متصل، وقبله جملة محذوفة تقديرها: اقتلوا المشركين المعاهدين إلا الذين عاهدتم، وهذا قول ضعيف جدا، والأظهر أن يكون منقطعا لطول الفصل بجمل كثيرة بين ما يمكن أن يكون مستثنى منه وبينه. قال مجاهد وغيره: هم قوم كان بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم) عهد لمدة، فأمر أن يفي لهم. وعن ابن عباس لما قرأ علي براءة قال لبني ضمرة وحي من كنانة وحي من سليم: إن الله قد استثناكم ثم قرأ هذه الآية. والظاهر أن قوله: إلى مدتهم، يكون في المدة التي كانت بينهم وبين الرسول أمروا بإتمام العهد إلى تمام المدة. وعن ابن عباس: كان بقي لحي من كنانة تسعة أشهر، فأتم إليهم
(١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 ... » »»