العهد ونالتهم الحرب، وكان يومئذ في خزاعة مؤمنون كثير. ألا ترى إلى قول الخزاعي المستنصر بالنبي صلى الله عليه وسلم):
* ثمت أسلمنا قلم ننزع يدا وفي آخر الرجز:
* * وقتلونا ركعا وسجدا وإذهاب الغيظ بما نال الكفار من المكروه، وهذه الجملة كالتأكيد للتي قبلها، لأن شفاء الصدر من آلة الغيظ هو إذهاب الغيظ. وقرأ فرقة: ويذهب فعلا لازما غيظ فاعل به. وقرأ زيد بن علي: كذلك إلا أنه رفع الباء. وهذه المواعيد كلها وجدت، فكان ذلك دليلا على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم) وصحة نبوته وبدىء أولا فيها بما تسبب عن النصر وهو تعذيب الله الكفار وبأيدي المؤمنين وإخزاؤهم، إذا كانت البداءة بما ينال الكفار من الشر هي التي يسر بها المؤمنون، ثم ذكر ما السبب وهو نصر الله المؤمنين على الكافرين، ثم ذكر ما تسبب أيضا عن النصر من شفاء صدور المؤمنين وإذهاب غيظهم تتميما للنعم، فذكر ما تسبب عن النصر بالنسبة للكفار، وذكر ما تسبب للمسلمين من الفرح والسرور بإدراك الثأر، ولم يذكر ما نالوه من المغانم والمطاعم، إذ العرب قوم جبلوا على الحمية والأنفة، فرغبتهم في إدراك الثأر وقتل الأعداء هي اللائقة بطباعهم.
* * إن الأسود أسود الغاب همتها * يوم الكريهة في المسلوب لا السلب * وقرأ الجمهور: ويتوب الله رفعا، وهو استئناف إخبار بأن بعض أهل مكة وغيرهم يتوب عن كفره، وكان ذلك عالم كثيرون وحسن إسلامهم. قال الفراء والزجاج وأبو الفتح: وهذا أمر موجود سواء قوتلوا أو لم يقاتلوا، فلا وجه لإدخال اليوم في جواب الشرط الذي في قاتلوهم انتهى. وقرأ زيد بن علي، والأعرج، وابن أبي إسحاق، وعيسى الثقفي، وعمرو بن عبيد، وعمر بن قائد، وأبو عمرو، ويعقوب فيما روي عنهما: ويتوب الله بنصب الباء، جعله داخلا في جواب الأمر من طريق المعنى. قيل: ويمكن أن تكون التوبة داخلة في الجزاء. قال ابن عطية: ويتوجه ذلك عندي إذا ذهب إلى أن التوبة يراد بها أن قتل الكافرين والجهاد في سبيل الله هو توبة لكم أيها المؤمنون وكمال لإيمانكم، فتدخل التوبة على هذا في شرط القتال. وقال غيره: لما أمرهم بالمقاتلة شق ذلك على بعضهم، فإذا أقدموا على المقاتلة صار ذلك العمل جاريا مجرى التوبة من تلك الكراهة. وقيل: حصول الكفر وكثرة الأموال لذة تطلب بطريق حرام، فلما حصلت لهم طريق حلال كان ذلك داعيا لهم إلى التوبة مما تقدم، فصارت التوبة متعلقة بتلك المقاتلة انتهى. وهذا الذي قرروه من كون التوبة تدخل تحت جواب الأمر هو بالنسبة للمؤمنين الذين أمروا بقتال الكفار، والذي يظهر أن ذلك بالنسبة إلى الكفار، فالمعنى على من يشاء من الكفار، وذلك أن قتال الكفار وغلبة المسلمين إياهم قد ينشأ عنها إسلام كثير من الناس، وإن لم يكن لهم رغبة في الإسلام، ولا داعية قبل القتال. ألا ترى إلى قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم) أهل مكة كيف كان سببا لإسلامهم، لأن الداخل في الإسلام قد يدخل فيه على بصيرة، وقد يدخل على كره واضطرار، ثم قد تحسن حاله في الإسلام. ألا ترى إلى عبد الله بن أبي سرح كيف كان حاله أولا في الإسلام، ثم صار أمره إلى أحسن حال ومات أحسن ميتة في السجود في صلاته، وكان