تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ١٧
قريش ولم يبق منهم إلا مسلم أو مسالم. وقال قتادة: المراد أبو جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة، وغيرهم، وهذا ضعيف إن لم يؤخذ على جهة المثال، لأن الآية نزلت بعد بدر بكثير. وروي عن حذيفة أنه قال: لم يجئ هؤلاء بعد، يريد لم ينقرضوا فهم يجيئون أبدا ويقاتلون. وقال ابن عطية: أصوب ما في هذا أن يقال: إنه لا يعني بها معين، وإنما دفع الأمر بقتال أئمة الناكثين العهود من الكفرة إلى يوم القيامة دون تعيين، واقتضت حال كفار العرب ومحاربي رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن يكون الإشارة إليهم أولا بقوله: أئمة الكفر، وهم حصلوا حينئذ تحت اللفظة، إذ الذي يتولى قتال النبي صلى الله عليه وسلم) والدفع في صدر شريعته هو إمام كل من يكفر بذلك الشرع إلى يوم القيامة، ثم يأتي في كل جيل من الكفار أئمة خاصة بجيل جيل انتهى. وقيل: المراد بالعهد الإسلام، فمعناه كفروا بعد إسلامهم. ولذلك قرأ بعضهم: وإن نكثوا إيمانهم بالكسر، وهو قول الزمخشري، قال: فقاتلوا أئمة الكفر فقاتلوهم، فوضع أئمة الكفر موضع ضميرهم، إشعارا بأنهم إذا نكثوا في حالة الشرك تمردا وطغيانا وطرحا لعادات الكرام الأوفياء من العرب، ثم آمنوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وصاروا إخوانا للمسلمين في الدين، ثم رجعوا فارتدوا عن الإسلام ونكثوا ما بايعوا عليه من الإيمان والوفاء بالعهد، وقعدوا يطعنون في دين الله تعالى ويقولون ليس دين محمد بشيء، فهم أئمة الكفر وذوو الرئاسة والتقدم فيه، لا يشق كافر غبارهم. والمشهور من مذهب مالك أن الذمي إذا طعن في الدين ففعل شيئا مثل تكذيب الشريعة والسب للنبي صلى الله عليه وسلم) ونحوه قتل. وقيل: إن أعلن بشيء مما هو معهود من معتقده وكفره أدب على الإعلان وترك، وإن كفر بما هو ليس من معتقده كالسب ونحوه قتل. وقال أبو حنيفة: يستتاب، واختلف إذا سب الذمي ثم أسلم تقية القتل. فالمشهور من مذهب مالك أنه يترك، لأن الإسلام يجب ما قبله، وفي العتبية أنه يقتل، ولا يكون أحسن حالا من المسلم.
وقرأ الحرميان وأبو عمرو: بإبدال الهمزة الثانية ياء. وروي عن نافع مد الهمزة. وقرأ باقي السبعة وابن أبي أويس عن نافع: بهمزتين، وأدخل هشام بينهما ألفا وأصله أأممة على وزن أفعلة جمع إمام، أدغموا الميم في الميم فنقلت حركتها إلى الهمزة قبلها. وقال الزمخشري: فإن قلت: كيف لفظ أئمة؟ قلت: همزة بعدها همزة بين بين، أي بين مخرج الهمزة والياء. وتحقيق الهمز هي قراءة مشهورة، وإن لم تكن مقبولة عند البصريين، وأما التصريح بالياء فليس بقراءة، ولا يجوز أن تكون. ومن صرح بها فهو لاحن محرف انتهى. وذلك دأبه في تلحين المقرئين. وكيف يكون ذلك لحنا وقد قرأ به رأس البصريين النحاة أبو عمرو بن العلاء، وقارىء مكة ابن كثير، وقارىء مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم) نافع، ونفى إيمانهم لما لم يثبتوا عليها ولا وفوا بها جعلوا لا أيمان لهم، أو يكون على حذف الوصف أي: لا أيمان لهم يوفون بها. وقرأ الجمهور: بفتح الهمزة. وقرأ الحسن، وعطاء، وزيد بن علي، وابن عامر: لا إيمان لهم أي لا إسلام ولا تصديق. قال أبو علي: وهذا غير قوي، لأنه تكرار وذلك لأنه وصف أئمة الكفر بأنهم لا إيمان لهم، فالوجه في كسر الألف أنه مصدر أمنه إيمانا، ومنه قوله تعالى: * (الذى أطعمهم من) * فالمعنى أنهم لا يؤمنون أهل الذمة، إذ المشركون لم يكن لهم إلا الإسلام أو السيف. قال أبو حاتم: فسر الحسن قراءته لا إسلام لهم انتهى. وكذا تبعه الزمخشري، فقال: وقرئ لا إيمان لهم، أي لا إسلام لهم، ولا يعطون الأمان بعد الردة والنكث، ولا سبيل إليه. وبقراءة الفتح استشهد أبو حنيفة على أن يمين الكافر لا يكون يمينا وعند الشافعي يمينهم يمين، وقال: معناه أنهم لا يوفون بها بدليل الله تعالى وصفهم بالنكث لعلهم ينتهون متعلق بقوله: فقاتلوا أئمة الكفر، أي ليكن غرضكم في مقاتلتهم بعدما وجد منهم من العظائم ما وجد انتهاءهم عما هم فيه، وهذا من كرمه سبحانه وفضله وعوده على المسئ
(١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 ... » »»