تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٤٣٧
والصالح الولد السوي جعلا له شركاء حيث سميا أولادهما الأربعة عبد مناف وعبد العزى وعبد قصي وعبد الدار والضمير في يشركون لهما ولأعقابهما الذين اقتدوا بهما في الشرك انتهى. * (ليسكن إليها) * ليطمئن ويميل ولا ينفر لأن الجنس إلى الجنس أميل وبه آنس وإذا كان منها على حقيقته فالسكون والمحبة أبلغ كما يسكن الإنسان إلى ولده ويحبه محبة نفسه أو أكثر لكونه بعضا منه وأنث في قوله منها ذهابا إلى لفظ النفس ثم ذكر في قوله ليسكن حملا على معنى النفس ليبين أن المراد بها الذكر آدم أو غيره على اختلاف التأويلات وكان الذكر هو الذي يسكن إلى الأنثى ويتغشاها فكان التذكير أحسن طباقا للمعنى.
* (فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به) * إن كان الخبر عن آدم فخلق حواء كان في الجنة وأما التغشي والحمل فكانا في الأرض والتغشي والغشيان والإتيان كناية عن الجماع ومعنى الخفة أنها لم تلق به من الكرب ما يعرض لبعض الحبالى ويحتمل أن يكون حملا مصدرا وأن يكون ما في البطن والحمل بفتح الحاء ما كان في بطن أو على رأس الشجرة وبالكسر ما كان على ظهر أو على رأس غير شجرة، وحكى يعقوب في حمل النخل، وحكى أبو سعيد في حمل المرأة حمل وحمل، وقال ابن عطية: الحمل الخفيف هو المني الذي تحمله المرأة في فرجها، وقرأ حماد بن سلمة عن ابن كثير حملا بكسر الحاء، وقرأ الجمهور فمرت به، قال الحسن: أي استمرت به، وقيل: هذا على القلب أي فمر بها أي استمر بها، وقال الزمخشري: فمضت به إلى وقت ميلاده من غير إخراج ولا إزلاق، وقيل: حملت حملا خفيفا يعني النطفة فمرت به فقامت به وقعدت فاستمرت به انتهى، وقرأ ابن عباس فيما ذكر النقاش وأبو العالية ويحيى بن يعمر وأيوب فمرت به خفيفة الراء من المرية أي فشكت فيما أصابها أهو حمل أو مرض، وقيل معناه استمرت به لكنهم كرهوا التضعيف فخففوه نحو وقرن فيمن فتح من القرار، وقرأ عبد الله بن عمرو بن العاصي والجحدري: فمارت به بألف وتخفيف الراء أي جاءت وذهبت وتصرفت به كما تقول مارت الريح مورا ووزنه فعل، وقال الزمخشري: من المرية كقوله تعالى * (أفتمارونه) * ومعناه ومعنى المخففة فمرت وقع في نفسها ظن الحمل وارتابت به ووزنه فاعل، وقرأ عبد الله فاستمرت بحملها، وقرأ سعد بن أبي وقاص وابن عباس أيضا والضحاك فاستمرت به، وقرأ أبي بن كعب والجرمي فاستمارت به والظاهر رجوعه إلى المرية بني منها استفعل كما بنى منها فاعل في قولك ماريت.
* (فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله) *. أي دخلت في الثقل كما تقول أصبح وأمسى أو صارت ذات ثقل كما تقول أتمر الرجل وألبن إذا صار ذا تمر ولبن، وقال الزمخشري: أي حان وقت ثقلها كقوله أقربت، وقرئ أثقلت على البناء للمفعول ربهما أي مالك أمرهما الذي هو الحقيق أن يدعى ومتعلق الدعاء محذوف يدل عليه جملة جواب القسم أي دعوا الله ورغبا إليه في أن يؤتيهما صالحا ثم أقسما على أنهما يكونان من الشاكرين إن آتاهما صالحا لأن إيتاء الصالح نعمة من الله على والديه كما جاء في الحديث: (إن عمل ابن آدم ينقطع إلا من ثلاث) فذكر الولد الصالح يدعو لوالده فينبغي الشكر عليها إذ هي من أجل النعم ومعنى صالحا مطيعا لله تعالى أي ولدا طائعا أو ولدا ذكرا لأن الذكورة من الصلاح والجودة، قال الحسن: سمياه غلاما، وقال ابن عباس: بشرا سويا سليما، ولنكونن جواب قسم محذوف تقديره وأقسما لئن آتيتنا أو مقسمين لئن آتيتنا وانتصاب صالحا على أنه مفعول ثان لآتيتنا وفي المشكل لمكي أنه نعت لمصدر أي ابنا صالحا.
* (فأما * فلما ءاتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما) * من جعل الآية في آدم وحواء جعل الضمائر والإخبار لهما وذكروا في ذلك محاورات جرت بين إبليس وآدم وحواء لم تثبت في قرآن ولا
(٤٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 432 433 434 435 436 437 438 439 440 441 442 ... » »»