تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٤٤٠
بينا ذلك في قوله أولئك كالأنعام بل هم أضل وقرأ ابن جبير إن خفيفة وعبادا أمثالكم بنصب الدال واللام واتفق المفسرون على تخريج هذه القراءة على أن إن هي النافية أعملت عمل ما الحجازية فرفعت الاسم ونصبت الخبر فعبادا أمثالكم خبر منصوب قالوا: والمعنى بهذه القراءة تحقير شأن الأصنام ونفي مماثلتهم للبشر بل هم أقل وأحقر إذ هي جمادات لا تفهم ولا تعقل وإعمال إن إعمال ما الحجازية فيه خلاف أجاز ذلك الكسائي وأكثر الكوفيين ومن البصريين ابن السراج والفارسي وابن جني ومنع من إعماله الفراء وأكثر البصريين واختلف النقل عن سيبويه والمبرد والصحيح أن إعمالها لغة ثبت ذلك في النثر والنظم وقد ذكرنا ذلك مشبعا في شرح التسهيل وقال النحاس: هذه قراءة لا ينبغي أن يقرأ بها بثلاث جهات إحداها أنها مخالفة للسواد والثانية أن سيبويه يختار الرفع في خبر أن إذا كانت بمعنى ما فيقول: إن زيد منطلق لأن عمل ما ضعيف وإن بمعناها فهي أضعف منها والثالثة أن الكسائي رأى أنها في كلام العرب لا تكون بمعنى ما إلا أن يكون بعدها إيجاب انتهى وكلام النحاس هذا هو الذي لا ينبغي لأنها قراءة مروية عن تابعي جليل ولها وجه في العربية وأما الثلاث جهات التي ذكرها فلا يقدح شيء منها في هذه القراءة أما كونها مخالفة للسواد فهو خلاف يسير جدا لا يضر ولعله كتب المنصوب على لغة ربيعة في الوقف على المنون المنصوب بغير ألف فلا تكون فيه مخالفة للسواد وأما ما حكي عن سيبويه فقد اختلف الفهم في كلام سيبويه في أن وأما ما حكاه عن الكسائي فالنقل عن الكسائي أنه حكى إعمالها وليس بعدها إيجاب والذي يظهر لي أن هذا التخريج الذي خرجوه من أن إن للنفي ليس بصحيح لأن قراءة الجمهور تدل على إثبات كون الأصنام عبادا أمثال عابديها وهذا التخريج يدل على نفي ذلك فيؤدي إلى عدم مطابقة أحد الخبرين الآخر وهو لا يجوز بالنسبة إلى الله تعالى، وقد خرجت هذه القراءة في شرح التسهيل على وجه غير ما ذكروه وهو أن إن هي المخففة من الثقيلة وأعملها عمل المشددة وقد ثبت أن إن المخففة يجوز إعمالها عمل المشددة في غير المضمر بالقراءة المتواترة وإن كلا لما وبنقل سيبويه عن العرب لكنه نصب في هذه القراءة خبرها نصب عمر بن أبي ربيعة المخزومي في قوله:
* إذا اسود جنح الليل فلتأت ولتكن * خطاك خفافا إن حراسنا أسدا * وقد ذهب جماعة من النحاة إلى جواز نصب أخبار إن وأخواتها واستدلوا على ذلك بشواهد ظاهرة الدلالة على صحة مذهبهم وتأولها المخالفون، فهذه القراءة الشاذة تتخرج على هذه اللغة أو تتأول على تأويل المخالفين لأهل هذا المذهب وهو أنهم تأولوا المنصوب على إضمار فعل كما قالوا في قوله:
يا ليت أيام الصبا واجعا إن تقديره أقبلت رواجعا فكذلك تؤول هذه القراءة على إضمار فعل تقديره أن الذين تدعون من دون الله تدعون عبادا أمثالكم، وتكون القراءتان قد توافقتا على معنى واحد وهو الإخبار أنهم عباد، ولا يكون تفاوت بينهما وتخالف لا يجوز في حق الله تعالى وقرئ أيضا إن مخففة ونصب عبادا على أنه حال من الضمير المحذوف العائد من الصلة على الذين وأمثالكم بالرفع على الخبر أي أن الذين تدعونهم من دون الله في حال كونهم عبادا أمثالكم في
(٤٤٠)
مفاتيح البحث: ابن السراج (1)، الجواز (4)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 435 436 437 438 439 440 441 442 443 444 445 ... » »»