تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٤٤١
الخلق أو في الملك فلا يمكن أن يكونوا آلهة فادعوهم أي فاختبروهم بدعائكم هل يقع منهم إجابة أو لا يقع والأمر بالاستجابة هو على سبيل التعجيز أي لا يمكن أن يجيبوا كما قال: ولو سمعوا ما استجابوا لكم ومعنى إن كنتم صادقين في دعوى إلهيتهم واستحقاق عبادتهم كقول إبراهيم عليه السلام لأبيه * (لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا) *.
* (لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم ءاذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون) *. هذا استفهام إنكار وتعجيب وتبيين أنهم جماد لا حراك لهم وأنهم فاقدون لهذه الأعضاء ومنافعها التي خلقت لأجلها فأنتم أفضل من هذه الأصنام أذلكم هذا التصرف وهذا الاستفهام الذي معناه الإنكار قد يتوجه الإنكار فيه إلى انتفاء هذه الأعضاء وانتفاء منافعها فيتسلط النفي على المجموع كما فسرناه لأن تصويرهم هذه الأعضاء للأصنام ليست أعضاء حقيقة وقد يتوجه النفي إلى الوصف أي وإن كانت لهم هذه الأعضاء مصورة فقد انتفت هذه المنافع التي للأعضاء والمعنى أنكم أفضل من الأصنام بهذه الأعضاء النافعة وأم هنا منقطعة فتقدر ببل والهمزة وهو إضراب على معنى الانتقال لا على معنى الأبطال وإنما هو تقدير على نفي كل واحدة من هذه الجمل وكان ترتيب هذه الجمل هكذا لأنه بدىء بالأهم ثم اتبع بما هو دونه إلى آخرها، وقرأ الحسن والأعرج ونافع بكسر الطاء، وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع بضمها وقال أبو عبد الله الرازي: تعلق بعض الأغمار بهذه الآية في إثبات هذه الأعضاء لله تعالى فقالوا: جعل عدمها للأصنام دليلا على عدم إلهيتها فلو لم تكن موجودة له تعالى لكان عدمها دليلا على عدم الإلهية وذلك باطل فوجب القول بإثباتها له تعالى والجواب من وجهين، أحدهما: أن المقصود من الآية أن الإنسان أفضل وأكمل حالا من الصم لأنه له رجل ماشية ويد باطشة وعين باصرة وأذن سامعة والصنم وإن صورت له هذه الأعضاء بخلاف الإنسان فالإنسان أكمل وأفضل فلا يشتغل بعبادة الأخس الأدون والثاني أن المقصود تقرير الحجة التي ذكرها قبل وهي لا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون يعني كيف يحسن عبادة من لا يقدر على النفع والضر ثم قرر أن هذه الأصنام انتفت عنها هذه الأعضاء ومنافعها فليست قادرة على نفع ولا ضر فامتنع كونها آلهة أما الله تعالى فهو وإن كان متعاليا عن هذه الأعضاء فهو موصوف بكمال القدرة على النفع والضر وبكمال السمع والبصر انتهى، وفيه بعض تلخيص.
* (قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون) * لما أنكر تعالى عليهم عبادة الأصنام وحقر شأنها وأظهر كونها جمادا عارية عن شيء من القدرة أمر تعالى نبيه أن يقول لهم ذلك أي لا مبالاة بكم ولا بشركائكم فاصنعوا ما تشاؤون وهو أمر تعجيز أي لا يمكن أن يقع منكم دعاء لأصنامكم ولا كيد لي وكانوا قد خوفوه آلهتهم، ومعنى ادعوا شركاءكم استعينوا بهم على إيصال الضر إلى ثم كيدون أي امكروا بي ولا تؤخرون عما تريدون بي من الضر وهذا كما قال قوم هود أن نقول: إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون وسمي الأصنام شركاءهم من حيث أن لهم نسبة إليهم بتسميتهم إياهم آلهة وشركاء الله تعالى، وقرأ أبو عمرو وهشام بخلاف عنه كيدوني بإثبات الياء وصلا ووقفا وقرأ باقي السبعة بحذف الياء اجتزاء بالكسرة عنها. * (إن وليى الله الذى نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين) * لما أحالهم على الاستنجاد بآلهتهم في ضره وأراهم أن الله هو القادر على كل شيء عقب ذلك بالاستناد إلى الله تعالى والتوكل عليه والإعلام أنه تعالى هو ناصره عليهم وبين جهة نصره عليهم بأن أوحى إليه كتابه وأعزه برسالته ثم أنه تعالى يتولى الصالحين من عباده وينصرهم على أعدائه ولا يخذلهم، وقرأ الجمهور إن وليي الله بياء مشددة وهي ياء فعيل أدغمت في لام الكلمة وبياء المتكلم بعدها مفتوحة، وقرأ أبو عمرو في رواية عنه بياء واحدة مشددة مفتوحة ورفع الجلالة، قال أبو علي لا يخلو من أن يدغم الياء التي هي لام الفعل في ياء الإضافة وهولا يجوز لأنه ينفك الإدغام الأول أو تدغم ياء فعيل في ياء الإضافة، ويحذف لام الفعل فليس إلا هذا انتهى ويمكن
(٤٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 436 437 438 439 440 441 442 443 444 445 446 ... » »»