فاجتلاها والمعنى هلا اجتمعتها افتعالا من قبل نفسك، وقال ابن عباس أيضا والضحاك: هلا تلقيتها، وقال الزمخشري هلا أخذتها منزلة عليك مقترحة انتهى، وهذا القول منهم من نتائج الإمداد في الغي كانوا يطلبون آيات معينة على سبيل التعنت كقلب الصفا ذهبا وإحياء الموتى وتفجير الأنهار وكم جاءتهم من آية فكذبوا بها واقترحوا غيرها.
* (قل إنما أتبع ما يوحى إلى من ربى) * بين أنه ليس مجيء الآيات إليه إنما هو متبع ما أوحاه الله تعالى إليه ولست بمفتعلها ولا مقترحها. * (هاذا بصائر من ربكم) * أي هذا الموحى إلي الذي أنا أتبعه لا أبتدعه وهو القرآن بصائر أي حجج وبينات يبصر بها وتتضح الأشياء الخفيات وهي جمع بصيرة كقوله على بصيرة أنا ومن اتبعني أي على أمر جلي منكشف وأخبر عن المفرد بالجمع لاشتماله على سور وآيات، وقيل: هو على حذف مضاف أي ذو بصائر. * (وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) * أي دلالة إلى الرشد ورحمة في الدارين وفي الدين والدنيا وخص المؤمنين لأنهم الذين يستبصرون وهم الذين ينتفعون بالوحي يتبعون ما أمر به فيه ويجتنبون ما ينهون عنه فيه ويؤمنون بما تضمنه، وقال أبو عبد الله الرازي: أصل البصيرة الإبصار لما كان القرآن سببا لبصائر العقول في دلالة التوحيد والنبوة والمعاد أطلق عليه اسم البصيرة تسمية للسبب باسم المسبب والناس في معارف التوحيد والنبوة والمعاد ثلاثة أقسام، أحدها: الذين بالغوا في هذه المعارف إلى حيث صاروا كالمشاهدين لها وهم أصحاب عين اليقين فالقرآن في حقهم بصائر، والثاني: الذين وصلوا إلى درجات المستدلين وهم أصحاب علم اليقين فهو في حقهم هدى، والثالث: من اعتقد ذلك الاعتقاد الجزم وإن لم يبلغ مرتبة المستدلين وهم عامة المؤمنين فهو في حقهم رحمة، ولما كانت هذه الفرق الثلاث من المؤمنين قال لقوم يؤمنون انتهى، وفيه تكميل وبعض تلخيص.
* (وإذا قرىء القرءان فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) * لما ذكر أن القرآن بصائر وهدى ورحمة أمر باستماعه إذا شرع في قراءته وبالإنصات وهو السكوت مع الإصغاء إليه لأن ما اشتمل على هذه الأوصاف من البصائر والهدى والرحمة حري بأن يصغي إليه حتى يحصل منه للمنصت هذه النتائج العظيمة وينتفع بها فيستبصر من العمى ويهتدي من الضلال ويرحم بها والظاهر استدعاء الاستماع والإنصاب إذا أخذ في قراءة القرآن ومتى قرىء، وقال ابن مسعود وأبو هريرة وجابر وعطاء وابن المسيب والزهري وعبيد الله بن عمر: إنها في المشركين كانوا إذا صلى الرسول صلى الله عليه وسلم) يقولون: لا تسمعوا لهذا القرآن وألغوا فيه فنزلت جوابا لهم، وقال عطاء أيضا وابن جبير ومجاهد وعمرو بن دينار وزيد بن أسلم والقاسم بن عمخيمرة ومسلم بن يسار وشهر بن حوشب وعبد الله بن المبارك: هي في الخطبة يوم الجمعة وضعف هذا القول بأن ما يقرأ في الخطبة من القرآن قليل وبأن الآية مكية والخطبة لم تكن إلا بعد الهجرة من مكة، وقال ابن جبير إنها في الإنصات يوم الأضحى ويوم الفطر ويوم الجمعة وفيما يجهر فيه الإمام من الصلاة، وقال ابن مسعود أيضا: كان يسلم بعضنا على بعض في الصلاة ويكلمه في حاجته فأمرنا بالسكوت في الصلاة بهذه الآية، وقال ابن عباس: قرأ في الصلاة المكتوبة وقرأ الصحابة رافعي أصواتهم فخلطوا عليه فالآية فيهم، وقيل: هو أمر بالاستماع والإنصات إذ أدى الوحي، وقال جماعة منهم الزجاج: ليس المراد الصلاة ولا غيرها وإنما المراد بقوله فاستمعوا له وأنصتوا اعملوا بما فيه ولا تجاوزوه، كقولك: سمع الله دعاءك أي أجابك، وقال الحسن: هي على عمومها ففي أي موضع قرىء القرآن وجب على كل حاضر استماعه والسكوت والخطاب في قوله فاستمعوا إن كان للكفار فترجى لهم الرحمة باستماعه والإصغاء إليه بأن كان سببا لإيمانهم وإن كان للمؤمنين