وتقدمه ألم * (ترى * إلى ربك كيف مد الظل * ونعم * كثيرة) * وهذا النوع من لطائف القرآن العظيم وساطع براهينه والاستثناء متصل أي إلا ما شاء الله من تمكيني منه فإني أملكه وذلك بمشيئة الله، وقال ابن عطية: وهذا الاستثناء منقطع انتهى، ولا حاجة لدعوى الانقطاع مع إمكان الاتصال.
* (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء) * أي لكانت حالي على خلاف ما هي عليه من استكثار الخير واستغزار المنافع واجتناب السوء والمضار حتى لا يمسني شيء منها وظاهر قوله ولو كنت أعلم الغيب انتفاء العلم عن الغيب على جهة عموم الغيب كما روي عنه لا أعلم ما وراء هذا الجدار إلا أن يعلمنيه ربي بخلاف ما يذهب إليه هؤلاء الذين يدعون الكشف وأنهم بتصفية نفوسهم يحصل لها اطلاع على المغيبات وإخبار بالكوائن التي تحدث، وما أكثر ادعاء الناس لهذا الأمر وخصوصا في ديار مصر حتى أنهم لينسبون ذلك إلى رجل متضمخ بالنجاسة يظل دهره لا يصلي ولا يستنجي من نجاسته ويكشف عورته للناس حين يبول وهو عار من العلم والعمل الصالح وقد خصص قوم هذا العموم فحكى مكي عن ابن عباس: لو كنت أعلم السنة المجدبة لأعددت لها من المخصبة، وقال قوم: أوقات النصر لتوخيتها، وقال مجاهد وابن جريج: لو كنت أعلم أجلي لاستكثرت من العمل الصالح، وقيل: ولو كنت أعلم وقت الساعة لأخبرتكم حتى توقنوا، وقيل: ولو كنت أعلم الكتب المنزلة لاستكثرت من الوحي، وقيل: ولو كنت أعلم ما يريده الله مني قبل أن يعرفنيه لفعلته، وينبغي أن تجعل هذه الأقوال وما أشبهها مثلا لا تخصيصات لعموم الغيب والظاهر أن قوله وما مسني السوء معطوف على قوله لاستكثرت من الخير فهو من جواب لو ويوضح ذلك أنه تقدم قوله قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا فقابل النفع بقوله لاستكثرت من الخير وقابل الضر بقوله وما مسني السوء ولأن المترتب على تقدير علم الغيب كلاهما وهما اجتلاب النفع واجتناب الضر ولم نصحب ما النافية جواب لو لأن الفصيح أن لا يصحبهما كما في قوله تعالى * (ولو سمعوا ما استجابوا لكم) * والظاهر عموم الخبر وعدم تعيين السوء، وقيل: السوء تكذيبهم له مع أنه كان يدعي الأمين، وقيل: الجدب، وقيل: الموت، وقيل: الغلبة عند اللقاء، وقيل: الخسارة في التجارة، وقال ابن عباس: الفقر وينبغي أن تجعل هذه الأقوال خرجت على سبيل التمثيل لا الحصر فإن الظاهر في الغيب الخير والسوء عدم التعيين، وقيل: ثم الكلام عند قوله لاستكثرت من الخير ثم أخبر أنه ما مسه السوء وهو الجنون الذي رموه به، وقال مؤرج السدوسي: السوء الجنون بلغة هذيل وهذا القول فيه تفكيك لنظم الكلام واقتصار على أن يكون جواب لولا استكثرت من الخير فقط وتقدير حصول علم الغيب يترتب عليه الأمران لا أحدهما فيكون إذ ذاك جوابا قاصرا.
* (إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون) * لما نفى عن نفسه علم الغيب أخبر بما بعث به من النذارة ومتعلقها المخوفات والبشارة ومتعلقها بالمحبوبات والظاهرة تعلقهما بالمؤمنين لأن منفعتهما معا وجدوا هما لا يحصل إلا لهم وقال تعالى: * (وما تغنى الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) *. وقيل معنى لقوم يؤمنون يطلب منهم الإيمان ويدعون إليه وهؤلاء الناس أجمع، وقيل: أخبر أنه نذير وتم الكلام ومعناه أنه نذير للعالم كلهم ثم أخبر أنه بشير للمؤمنين به فهو وعد لمن حصل له الإيمان، وقيل حذف متعلق النذارة ودل على حذفه إثبات مقابله والتقدير نذير للكافرين وبشير لقوم يؤمنون كما حذف المعطوف في قوله سرابيل تقيكم الحر أي والبرد وبدأ بالنذارة لأن السائلين عن الساعة كانوا كفارا أما مشركو قريش وأما اليهود فكان الاهتمام بذكر الوصف من قوله * (إن أنا إلا نذير) * آكد وأولى بالتقديم والله تعالى أعلم.