تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ١٦٤
من جزالة اللفظ فجاز العطف على أن نلغي حكم اللفظ ونعول على المعنى، ويشبه هذا من جهة ما حكاه يونس عن العرب: أدخلوا الأول فالأول وإلا فليس يجوز إلا ادخلوا الأول فالأول بالنصب انتهى، وهذا الذي استدركه ابن عطية بقوله اللهم إلا أن إلى آخره هو الذي أراده الزجاج بعينه وهو أن * (أن أقيموا) * معطوف على أن نسلم وأن كليهما علة للمأمور به المحذوف وإنما قلق عند ابن عطية لأنه أراد بقاء أن أقيموا على معناها من موضوع الأمر وليس كذلك لأن أن إذا دخلت على فعل الأمر وكانت المصدرية انسبك منها ومن الأمر مصدر، وإذا انسبك منهما مصدر زال منها معنى الأمر، وقد أجاز النحويون سيبويه وغيره أن توصل أن المصدرية الناصبة للمضارع بالماضي وبالأمر، قال سيبويه: وتقول: كتبت إليه بأن قم، أي بالقيام فإذا كان الحكم كذا كان قوله: لنسلم وأن أقيموا في تقدير للإسلام، ولإقامة الصلاة وأما تشبيه ابن عطية بقوله: ادخلوا الأول فالأول بالرفع فليس يشبهه لأن ادخلوا لا يمكن لو أزيل عنه الضمير أن يتسلط على ما بعده، بخلاف أن فإنها توصل بالأمر فإذا لا شبه بينهما. وقال الزمخشري (فإن قلت): كلام عطف قوله: * (وأن أقيموا) * (قلت): على موضع * (لنسلم) * كأنه قيل وأمرنا أن نسلم وأن أقيموا انتهى وظاهر هذا التقدير أن * (ءان) * في موضع المفعول الثاني لقوله: وأمرنا وعطف عليه وأن أقيموا فتكون اللام على هذا زائدة، وكان قد قدم قبل هذا أن اللام تعليل للأمر فتناقض كلامه لأن ما يكون علة يستحيل أن يكون مفعولا ويدل على أنه أراد بقوله * (ءان) * أنه في موضع المفعول الثاني قوله بعد ذلك، ويجوز أن يكون التقدير وأمرنا لأن نسلم ولأن أقيموا أي للإسلام ولإقامة الصلاة انتهى، وهذا قول الزجاج فلو لم يكن هذا القول مغايرا لقوله الأول: لاتحد قولاه وذلك خلف، وقال الزجاج: ويحتمل أن يكون * (العالمين وأن أقيموا) * معطوفا على * (أتانا) *. وقيل: معطوف على قوله: * (إن هدى الله هو الهدى) * والتقدير قل أن أقيموا وهذان القولان ضعيفان جدا، ولا يقتضيهما نظم الكلام، قال ابن عطية: يتجه أن يكون بتأويل وإقامة فهو عطف على المفعول المقدر في أمرنا؛ انتهى. وكان قد قدر: وأمرنا بالإخلاص أو بالإيمان لأن نسلم وهذا قول لا بأس به وهو أقرب من القولين قبلة إذ لا بد من تقدير المفعول الثاني لأمرنا ويجوز حذف المعطوف عليه لفهم المعنى تقول: أضربت زيدا فتجيب نعم وعمرا التقدير ضربته وعمرا وقد أجاز الفراء جاءني الذي وزيد قائمان التقدير جاءني الذي هو وزيد قائمان فحذف هو لدلالة المعنى عليه والضمير المنصوب في * (واتقوا) * عائد على رب العالمين.
* (وهو الذى إليه تحشرون) * جملة خبرية تتضمن التنبيه والتخويف لمن ترك امتثال ما أمر به من الإسلام والصلاة واتقاء الله، وإنما تظهر ثمرات فعل هذه الأعمال وحسرات تركها يوم الحشر والقيامة.
* (وهو الذى خلق * السماوات والارض بالحق) * لما ذكر تعالى أنه إلى جزائه يحشر العالم وهو منتهى ما يؤول إليه أمرهم ذكر مبتدأ وجود العالم واختراعه له بالحق أي بما هو حق لا عبث فيه ولا هو باطل أي لم يخلقهما باطلا ولا عبثا بل صدرا عن حكمة وصواب وليستدل بهما على وجود الصانع إذ هذه المخلوقات العظيمة الظاهر عليها سمات الحدوث لا بد لها من محدث واحد عالم قادر مريد سبحانه وعلا. وقيل: معنى بالحق بكلامه في قوله للمخلوقات * (كن) * وفي قوله: * (ائتيا طوعا أو كرها) * والمراد في هذا ونحوه إنما هو إظهار انفعال ما يريد تعالى أن يفعله وإبرازه للوجود بسرعة وتنزيله منزلة ما يؤمر فيمتثل.
* (ويوم يقول كن فيكون قوله الحق) * جوزوا في * (يوم) * أن يكون معمولا لمفعول فعل محذوف وقد روه واذكر الإعادة يوم يقول: كن أي يوم يقول للأجساد كن معادة ويتم الكلام عند قوله: كن، ثم أخبر بأنه يكون قوله: الحق الذي كان في الدنيا إخبارا بالإعادة فيكون قوله فاعلا بفيكون أو يتم الكلام عند قوله: كن فيكون ويكون * (قوله الحق) * مبتدأ وخبرا. وقال الزجاج * (يوم يقول) * معطوف على الضمير من قوله * (واتقوه) *
(١٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»