تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ١٥٩
عليه من البحائر والسوائب والجوامي والوصائل وعبادة الأصنام والطواف حول البيت عراة يصفرون ويصفقون أو الذي كلفوه ودعوا إليه وهو دين الإسلام * (لعبا ولهوا) * حيث سخروا به واستهزؤوا، أو عبادتهم لأنهم كانوا مستغرقين في اللهو واللعب وشرب الخمر والعزف والرقص لم تكن لهم عبادة إلا ذلك أقوال ثلاثة وانتصب * (لعبا ولهوا) * على المفعول الثاني لاتخذوا. وقال أبو عبد الله الرازي: الأقرب إن المحقق في * (الدين) * هو الذي ينصر الدين لأجل أنه قام الدليل على أنه حق وصدق وصواب، وأما الذين ينصرونه ليتوسلوا به إلى أخذ المناصب والرئاسة وغلبة الخصم وجمع الأموال فهم نصروا الدين للدنيا وقد حكم الله على الدنيا في سائر الآيات بأنها لعب ولهو، فالآية إشارة إلى من يتوسل بدينه إلى دنياه وأكثر الخلق موصوفون بهذه الصفة؛ انتهى، وفيه بعض تلخيص وظاهر تفسيره يقتضي أن * (اتخذوا) * هنا متعدية إلى واحد وإن انتصاب * (لعبا ولهوا) * على المفعول من أجله فيصير المعنى اكتسبوا دينهم وعملوه وأظهروا اللعب واللهو أي للدنيا واكتسابها ويظهر من بعض كلام الزمخشري وابن عطية أن * (لعبا ولهوا) * هو المفعول الأول لاتخذوا و * (دينهم) * هو المفعول الثاني. قال الزمخشري: أي دينهم الذي كان يجب أن يأخذوا به * (لعبا ولهوا) * وذلك أن عبادتهم وما كانوا عليه من تحريم البحائر والسوائب وغير ذلك من باب اللعب واتباع هوى النفس والعمل بالشهوة، ومن جنس الهزل دون الجد واتخذوا ما هو لعب ولهو من عبادة الأصنام وغيرها دينا لهم واتخذوا دينهم الذي كلفوه ودعوا إليه هو دين الإسلام * (لعبا ولهوا) * حيث سخروا به واستهزؤوا؛ انتهى. فظاهر تقديره الثاني هو ما ذكرناه عنه. وقال ابن عطية: وأضاف الدين إليهم على معنى أنهم جعلوا اللهو واللعب دينا ويحتمل أن يكون المعنى * (اتخذوا دينهم) * الذي كان ينبغي لهم * (لعبا ولهوا) *؛ انتهى. فتفسيره الأول هو ما ذكرناه عنه. قال الزمخشري: وقيل: جعل الله لكل قوم عيدا يعظمونه ويصلون فيه ويعمرونه بذكر الله والناس كلهم من المشركين، وأهل الكتاب اتخذوا عيدهم * (لعبا ولهوا) * غير المسلمين فإنهم اتخذوا دينهم عيدهم كما شرعه الله ومعنى ذرهم أعرض عنهم ولا تبال بتكذيبهم واستهزائهم ولا تشغل قلبك بهم؛ انتهى.
* (وغرتهم الحيواة الدنيا) * يحتمل أن يكون معطوفا على الصلة وأن يكون استئناف إخبار أي خدعتهم الغرور وهي الأطماع فيما لا يتحصل فاغتروا بنعم الله ورزقه وإمهاله إياهم. وقيل: غرتهم بتكذيبهم بالبعث. وقال أبو عبد الله الرازي: لأجل استيلاء حب الدنيا أعرضوا عن حقيقة الدين واقتصروا على تزيين الظواهر ليتوصلوا بها إلى حطام الدنيا؛ انتهى. وقيل: * (* غرتهم) * من الغر بفتح الغين أي ملأت أفواههم وأشبعتهم. ومنه قول الشاعر:
(١٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 ... » »»