تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ١٥٣
* (وهم لا يفرطون) * جملة حالية والعامل فيها توفته أو استئنافية أخبر عنهم بأنهم لا يفرطون في شيء مما أمروا به من الحفظ والتوفي ومعناه: لا يقصرون. وقرأ الأعرج وعمرو بن عبيد * (لا يفرطون) * بالتخفيف أي لا يجاوزون الحد فيما أمروا به. قال الزمخشري: فالتفريط التولي والتأخر عن الحد والإفراط مجاوزة الحد أي لا ينقصون مما أمروا به ولا ي زيدون فيه؛ انتهى، وهو معنى كلام ابن جني. وقال ابن بحر: * (يفرطون) * لا يدعون أحدا يفرط عنهم أي يسبقهم ويفوتهم. وقيل: يجوز أن تكون قراءة التخفيف معناها لا يتقدمون على أمر الله وهذا لا يصح إلا إذا نقل إن أفرط بمعنى فرط أي تقدم. وقال الحسن: إذا احتضر الميت احتضره خمسمائة ملك يقبضون روحه فيعرجون بها.
* (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق) * الظاهر عود الضمير على العباد، وجاء عليكم على سبيل الالتفات لما في الخطاب من تقريب الموعظة من السامعين، ويحتمل أن يعود الضمير في * (ردوا) * على أحدكم على المعنى لأنه لا يريد ب * (أحدكم) * ظاهره من الإفراد إنما معناه الجمع وكأنه قيل: حتى إذا جاءكم الموت، وقرئ * (ردوا) * بكسر الراء نقل حركة الدال التي أدغمت إلى الراء والراد المحذر من الله أو بالبعث في الآخرة أو الملائكة ردتهم بالموت إلى الله. وقيل: الضمير يعود على * (رسلنا) * أي الملائكة يموتون كما يموت بنو آدم ويردون إلى الله تعالى وعوده على العباد أظهر و * (مولاهم) * لفظ عام لأنواع الولاية التي تكون بين الله وبين عبيده من الملك والنصرة والرزق والمحاسبة وغير ذلك، وفي الإضافة إشعار برحمته لهم وظاهر الإخبار بالرد إلى الله أنه يراد به البعث والرجوع إلى حكم الله وجزائه يوم القيامة ويدل عليه آخر الآية. وقال أبو عبد الله الرازي: صريح الآية يدل على حصول الموت للعبد ورده إلى الله والميت مع كونه ميتا لا يمكن أن يرد إلى الله بل المردود هو النفس والروح وهنا موت وحياة، فالموت نصيب البدن والحياة نصيب النفس والروح فثبت أن الإنسان ليس إلا النفس والروح وليس عبارة عن مجرد هذه البنية وفي قوله: * (ردوا إلى الله) * إشعار بكون الروح موجودة قبل البدن لأن الرد من هذا العالم إلى حضرة الجلال إنما يكون إذا كانت موجودة قبل التعلق بالبدن ونظيره * (ارجعى إلى ربك) * إلى الله مرجعكم جميعا وجاء في الحديث: (خلقت الأرواح قبل الأجساد بألفي عام). وحجة الفلاسفة على كون النفوس غير موجودة قبل وجود البدن ضعيفة وبينا ضعفها في الكتب العقلية؛ انتهى. كلامه وفيه بعض تلخيص. وقال أيضا: * (إلى الله) * يشعر بالجهة وهو باطل فوجب حمله على أنهم ردوا إلى حيث لا مالك ولا حاكم سواه؛ انتهى. والظاهر أن هذا الرد هو بالبعث يوم القيامة إلا ما أراده الرازي ووصفه تعالى بالحق معناه العدل الذي ليس بباطل ولا مجاز. وقال أبو عبد الله الرازي: كانوا في الدنيا تحت تصرفات الموالي الباطلة وهي النفس والشهوة والغضب كما قال تعالى: * (أفرأيت من اتخذ إلاهه هواه) * فلما مات تخلص من تصرفات الموالي الباطلة وانتقل إلى تصرف المولى الحق انتهى كلامه. وتفسيره خارج عن مناحي كلام العرب ومقاصدها وهو في أكثره شيبة بكلام الذين يسمون أنفسهم حكماء. وقرأ الحسن والأعمش * (لحق) * بالنصب والظاهر أنه صفة قطعت فانتصبت على المدح وجوز نصبه على المصدر تقديره الرد الحق.
* (ألا له الحكم) * تنبيه منه تعالى عباده بأن جميع أنواع التصرفات له. وقال الزمخشري: * (ألا له الحكم) * يومئذ لا حكم فيه لغيره.
* (وهو أسرع الحاسبين) * تقدم الكلام في سرعة حسابه تعالى في قوله: * (والله سريع الحساب) *.
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»