وقد ذكر القراءتين إلا أن التشديد أكثر مبالغة؛ انتهى. وليس كما ذكر لا فرق بين تضعيف التعدية والهمزة ومفعول * (ينسينك) * الثاني محذوف تقديره * (وإما ينسينك الشيطان) * نهينا إياك عن القعود معهم والذكرى مصدر ذكر جاء على فعلى وألفه للتأنيث ولم يجيء مصدر على فعلى غيره.
* (وما على الذين يتقون من حسابهم من شىء) * * (الذين يتقون) * هم المؤمنون والضمير في * (حسابهم) * عائد على المستهزئين الخائضين في الآيات. وروي أن المؤمنين قالوا: لما نزلت فلا تقعدوا معهم لا يمكننا طواف ولا عبادة في الحرم فنزلت * (وما على الذين يتقون من حسابهم من شىء) * فأبيح لهم قدر ما يحتاج إليه من التصرف بينهم في العبادة ونحوها، والظاهر أن حكم الرسول موافق لحكم غيره لاندراجه في قوله: * (وما على الذين يتقون) * أمر هو صلى الله عليه وسلم) بالإعراض عنهم حتى إن عرض نسيان وذكر فلا تقعد معهم. وقيل: للمتقين وهو رأسهم أي ما عليكم من حسابهم من شيء.
* (ولاكن ذكرى) * أي ولكن عليكم أن تذكروهم ذكرى إذا سمعتموهم يخوضون بأن تقوموا عنهم وتظهروا كراهة فعلهم وتعظوهم.
* (لعلهم يتقون) * أي لعلهم يجتنبون الخوض في الآيات حياء منكم ورغبة في مجالستكم قاله مقاتل، أو * (لعلهم يتقون) * الوعيد بتذكيركم إياهم. وقيل: المعنى لا تقعدوا معهم ولا تقربوهم حتى لا تسمعوا استهزاءهم وخوضهم، وليس نهيكم عن القعود لأن عليكم شيئا من حسابهم وإنما هو ذكرى لكم لعلكم تتقون أي تثبتون على تقواكم وتزدادونها، فالضمير في * (لعلهم) * عائد على * (الذين يتقون) * ومن قال الخطاب في وإذا رأيت خاص بالرسول قال * (الذين يتقون) * للمؤمنين دونه ومعناها الإباحة لهم دونه كأنه قال: يا محمد لا تقعد معهم وأما المؤمنون فلا شيء عليهم من حسابهم فإن قعدوا فليذكروهم * (لعلهم يتقون) * الله في ترك ما هم عليه. وقال هذا القائل: هذه الإباحة التي اقتضتها هذه الآية نسختها آية النساء وذكرى يحتمل أن تكون في موضع نصب أي ولكن تذكرونهم، ومن قال الإباحة كانت بسبب العبادات قال نسخ ذلك آية النساء أو ذكروهم وفي موضع رفع أي ولكن عليهم ذكرى وقدره بعضهم ولكن هو ذكرى أي الواجب ذكرى. وقيل: هذا ذكرى أي النهي ذكرى. قال الزمخشري: ولا يجوز أن يكون عطفا على محل من شيء كقولك: ما في الدار من أحد ولكن زيد لأن قوله: * (من حسابهم) * يأبى ذلك؛ انتهى. كأنه تخيل إن في العطف يلزم القيد الذي في المعطوف عليه وهو من حسابهم لأنه قيد في شيء فلا يجوز عنده أن يكون من عطف المفردات عطفا على * (من شىء) * على الموضع لأنه يصير التقدير عنده و * (لكن * ذكرى) * من حسابهم وليس المعنى على هذا وهذا الذي تخيله ليس بشيء لا يلزم في العطف (ولكن) ما ذكر تقول: ما عندنا رجل سوء ولكن رجل صدق وما عندنا رجل من تميم ولكن رجل من قريش، وما قام من رجل عالم ولكن رجل جاهل فعلى هذا الذي قررناه يجوز أن يكون من قبيل عطف الجمل كما تقدم، ويجوز أن يكون من عطف المفردات والعطف إنما هو للواو ودخلت * (لكن) * للاستدراك. قال ابن عطية: وينبغي للمؤمن أن يمتثل حكم هذه الآية الملحدين وأهل الجدل والخوض فيه. وحكى الطبري عن أبي جعفر أنه قال: لا تجالسوا أهل الخصومات فإنهم الذين يخوضون في آيات الله تعالى.
* (وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا) * هذا أمر بتركهم وكان ذلك لقلة أتباع الإسلام حينئذ. قال قتادة: ثم نسخ ذلك وما جرى مجراه بالقتال. وقال مجاهد: إنما هو أمر تهديد ووعيد كقوله تعالى: * (ذرنى ومن خلقت وحيدا) * ولا نسخ فيها لأنها متضمنة خبرا وهو التهديد ودينهم ما كانوا