تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ١٥٥
تبين قبح فعلهم أي ثم بعد معرفتكم بهذا كله وتحققه أنتم تشركون؛ انتهى. وقيل: معنى * (يشركون) * تعودون إلى ما كنتم عليه من الإشراك وعبادة الأصنام ولا يخفى ما في هذه الجملة الإسمية من التقبيح عليهم إذ ووجهوا بقوله: * (ثم أنتم) * كقوله: * (ثم أنتم) * هؤلاء بعد قوله * (وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم) * وإذا كان الخبر * (تشركون) * بصيغة المضارع المشعر بالاستمرار والتجدد في المستقبل كما كانوا عليه فيما مضى.
* (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم) * هذا إخبار يتضمن الوعيد، والأظهر من نسق الآيات أنه خطاب للكفار وهو مذهب الطبري. وقال أبي وأبو العالية وجماعة: هي خطاب للمؤمنين. قال أبي: هن أربع: عذاب قبل يوم القيامة مضت اثنتان قبل وفاة الرسول بخمس وعشرين سنة لبسوا شيعا وأذيق بعضهم بأس بعض، وثنتان واقعتان لا محالة الخسف والرجم. وقال الحسن: بعضها للكفار بعث العذاب من فوق ومن تحت وسائرها للمؤمنين، انتهى. وحين نزلت استعاذ الرسول صلى الله عليه وسلم) وقال في الثالثة: (هذه أهون أو هذه أيسر)؛ واحتج بهذا من قال هي للمؤمنين. وقال الطبري: لا يمتنع أن يكون عليه لسلام تعوذ لأمته مما وعد به الكفار وهون الثالثة لأنها في المعنى هي التي دعا فيها فمنع كما في حديث الموطأ وغيره. والظاهر * (من فوقكم أو من تحت أرجلكم ) * الحقيقة كالصواعق وكما أمطر على قوم لوط وأصحاب الفيل الحجارة وأرسل على قوم نوح الطوفان، كقوله: * (ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر) * وكالزلازل ونبع الماء المهلك وكما خسف بقارون. وقال السدي عن أبي مالك وابن جبير: الرجم والخسف. وقال ابن عباس: * (من فوقكم) * ولاة الجور و * (من تحت أرجلكم) * سفلة السوء وخدمته. وقيل: حبس المطر والنبات. وقيل: * (من فوقكم) * خذلان السمع والبصر والآذان واللسان و * (من تحت أرجلكم) * خذلان الفرح والرجل إلى المعاصي؛ انتهى، وهذا والذي قبله مجاز بعيد.
* (أو يلبسكم شيعا) * أي يخلطكم فرقا مختلفين على أهواء شتى كل فرقة منكم مشايعة لإمام ومعنى خلطهم انشاب القتال بينهم فيختلطوا ويشتبكوا في ملاحم القتال كقول الشاعر:
* وكتيبة لبستها بكتيبة * حتى إذا التبست نفضت لها يدي فتركتهم تقص الرماح ظهورهمما بين منعفر وآخر مسند * قال ابن عباس ومجاهد: تثبت فيكم الأهواء المختلفة فتصيرون فرقا. وقيل: المعنى يقوي عدوكم حتى يخالطوكم. وقرأ أبو عبد الله المدني * (يلبسكم) * بضم الياء من اللبس استعارة من اللباس فعلى فتح الياء يكون شيعا حالا. وقيل: مصدر والعامل فيه * (يلبسكم) * من غير لفظه؛ انتهى. ويحتاج في كونه مصدرا إلى نقل من اللغة وعلى ضم الياء يحتمل أن يكون التقدير أو يلبسكم الفتنة شيعا ويكون شيعا حالا، وحذف المفعول الثاني ويحتمل أن يكون المفعول الثاني شيعا كان الناس يلبس بعضهم بعضا كما قال الشاعر
(١٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»