انتهى. وقد تقدم في أوائل البقرة أنه قيل: سموا نصارى لأنهم من قرية بالشام تسمى ناصرة، وقوله: وهم الذين قالوا لعيسى نحن أنصار الله القائل لذلك هم الحواريون، وهم عند الزمخشري كفار، وقد أوضح ذلك على زعمه في آخر هذه السورة، وعند غيرهم مؤمنون، ولم يختلفوا هم، إنما اختلف من جاء بعدهم ممن يدعي تبعيتهم.
* (فنسوا حظا مما ذكروا به) * قال أبو عبد الله الرازي: في مكتوب الإنجيل أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم). والحظ هو الإيمان به، وتنكيرا لحظ يدل على أن المراد به حظ واحد وهو الإيمان بالرسول، وخص هذا الواحد بالذكر مع أنهم تركوا أكثر ما أمرهم الله به، لأن هذا هو المعظم والمهم.
* (فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) * الضمير في بيتهم يعود على النصارى قاله الربيع. وقال الزجاج: النصارى منهم والنسطورية واليعقوبية والملكاتية، كل فرقة منهم تعادي الأخرى. وقيل: الضمير عائد على اليهود والنصارى، أي: بين اليهود والنصارى قاله مجاهد، وقتادة، والسدي: فإنهم أعداء يلعن بعضهم بعضا ويكفر بعضهم بعضا.
* (وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون) * هذا تهديد ووعيد شديد بعذاب الآخرة، إذ موجب ما صنعوا إنما هو الخلود في النار.
* (يصنعون يأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير) * قال محمد بن كعب القرظي: أول ما نزل من هذه لسورة هاتان الآيتان في شأن اليهود والنصارى، ثم نزل سائر السورة بعرفة في حجة الوداع. وأهل الكتاب يعم اليهود والنصارى. فقيل: الخطاب لليهود خاصة، ويؤيده ما روى خالد الحذاء عن عكرمة قال: أتى اليهود الرسول صلى الله عليه وسلم) يسألونه عن الرجم، فاجتمعوا في بيت فقال: (أيكم أعلم)؟ فأشاروا إلى ابن صوريا فقال: (أنت أعلمهم) قال: سل عما شئت قال: (أنت أعلمهم)؟ قال إنهم يقولون ذلك، قال: (فناشدتك الله الذي أنزل التوراة على موسى، والذي رفع الطور فناشده بالمواثيق التي أخذت عليهم حتى أخذه إفكل، فقال: إن نساءنا نساء حسان فكثر فينا القتل، فاختصرنا فجلدنا مائة مائة، وحلقنا الرؤوس، وخالفنا بين الرؤوس على الدابرات أحسبه قال: الإبل. قال: فأنزل الله يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا. وقيل: الخطاب لليهود والنصارى الذين يخفون صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم) والرجم ونحوه. وأكثر نوازل الإخفاء إنما نزلت لليهود، لأنهم كانوا مجاوري الرسول في مهاجرة. والمعنى بقوله: رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم)، وأضيف إلى الله تعالى إضافة تشريف. وفي هذه الآية دلالة على صحة نبوته، لأن إعلامه بما يخفون من كتابهم وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب ولا يصحب القراء، دلالة على أنه إنما يعلمه الله تعالى. وقوله: من الكتاب، يعني التوراة، ويعفو عن كثير أي: مما يخفون لا يبينه إذا لم تدع إليه مصلحة دينية، ولا يفضحكم بذلك إبقاء عليكم. وقال الحسن: ويعفو عن كثير، هو ما جاء به الرسول من تخفيف ما كان شدد عليهم، وتحليل ما كان حرم عليهم. وقيل: لا يؤاخذكم بها، وهذا المتروك الذي لا يبين هو في معنى افتخارهم ونحوه مما لا يتعين في ملة الإسلام فضحهم به وتكذيبهم، والظاهر أن فاعل يبين ويعفو عائد على رسولنا، ويجوز أن يعود على الله تعالى.
* (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين) * قيل: هو القرآن سماه نورا لكشف ظلمات الشرك والشك، أو لأنه ظاهر الإعجاز. وقيل: النور الرسول. وقيل: الإسلام. وقيل: النور موسى، والكتاب المبين التوراة. ولو اتبعوها حق الاتباع لآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم) إذ هي آمرة بذلك مبشرة به.
* (يهدى به الله من اتبع رضوانه * سبيل * السلام) * أي رضا الله سبل السلام طرق النجاة، والسلامة من عذاب الله. والضمير في به ظاهره أنه يعود على كتاب الله، ويحتمل أن يكون عائدا على الرسول. قيل: ويحتمل أن يعود على الإسلام. وقيل: سبل السلام، قيل دين الإسلام. وقال الحسن