تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٤٦٥
المقتول بغرناطة، وابن اللباج، وأبو الحسن المقيم كان بلورقة. وممن رأيناه يرمي بهذا المذهب الملعون العفيف التلمساني وله في ذلك إشعار كثيرة، وابن عياش المالقي الأسود الأقطع المقيم كان بدمشق، وعبد الواحد بن المؤخر المقيم كان بصعيد مصر، والأيكي العجمي الذي كان تولى المشيخة بخانقاه سعيد السعداء بالقاهر من ديار مصر، وأبو يعقوب بن مبشر تلميذ التستري المقيم كان بحارة زويلة. وإنما سردت أسماء هؤلاء نصحا لدين الله يعلم الله ذلك وشفقة على ضعفاء المسلمين، وليحذروا فهم شر من الفلاسفة الذين يكذبون الله تعالى ورسله ويقولون بقدم العالم، وينكرون البعث. وقد أولع جهلة ممن ينتمي للتصوف بتعظيم هؤلاء وادعائهم أنهم صفوة الله وأولياؤه، والرد على النصارى والحلولية والقائلين بالوحدة هو من علم أصول الدين.
وقال ابن عطية: القائلون بأن الله هو المسيح فرقة من النصارى، وكل فرقهم على اختلاف أقوالهم يجعل للمسيح حظا من الألوهية. وقال الزمخشري: قيل: كان في النصارى من يقول ذلك، وقيل: ما صرحوا به، ولكن مذهبهم يؤدي إليه حيث اعتقدوا أنه يخلق ويحيي ويميت ويدبر العالم.
* (قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن فى الارض جميعا) * هذا رد عليهم. والفاء في: فمن للعطف على جملة محذوفة تضمنت كذبهم في مقالتهم التقدير: قل كذبوا، وقل ليس كما قالوا فمن يملك، والمعنى: فمن يمنع من قدرة الله وإرادته شيئا؟ أي: لا أحد يمنع مما أراد الله شيئا إن أراد أن يهلك من ادعوه إلها من المسيح وأمه. وفي ذلك دليل على أنه وأمه عبدان من عباد الله لا يقدران على رفع الهلاك عنهما، بل تنفذ فيهما إرادة الله تعالى، ومن تنفذ فيه لا يكون إلها، وعطف عليهما: ومن في الأرض جميعا، عطف العام على الخاص ليكونا قد ذكرا مرتين: مرة بالنص عليهما، ومرة بالاندراج في العام، وذلك على سبيل التوكيد والمبالغة في تعلق نفاذ الإرادة فيهما. وليعلم، أنهما من جنس من في الأرض لا تفاوت بينهما في البشرية، وفي ذلك إشارة إلى حلول الحوادث بهما، والله سبحانه وتعالى منزه أن تحل به الحواث، وأن يكون محلا لها. وفي هذا رد على الكرامية.
* (ولله ملك * السماوات والارض * وما بينهما) * والمسيح وأمه من جملة ما في الأرض، فهما مقهوران لله تعالى، مملوكان له، وهذه الجملة مؤكدة لقوله: إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه، ودلالة على أنه إذا أراد فعل، لأن من له ذلك الملك يفعل في ملكه ما يشاء.
* (يخلق ما يشاء) * أي أن خلقه ليس مقصورا على نوع واحد، بل ما تعلقت مشيئته بإيجاده أو جده واخترعه، فقد يوجد شيئا لا من ذكر ولا أنثى كآدم عليه السلام، وأوائل الأجناس المتولد بعضها من بعض. وقد يخلق من ذكر وأنثى، وقد يخلق من أنثى لا من ذكر معها كالمسيح. ففي قوله: يخلق ما يشاء، إشارة إلى أن المسيح وأمه مخلوقان. وقيل: معنى يخلق ما يشاء كخلق الطير على يد عيسى معجزة، وكإحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، وغير ذلك، فيجب أن تنسب إليه ولا تنسب إلى البشر المجرى على يده. وتضمن الرد عليهم أن من كان مخلوقا مقهورا بالملك عاجزا عن دفع ما يريد الله به لا يكون إلها.
* (والله على كل شىء * قديرا) * تقدم تفسير هذه لجملة، وكثيرا ما يذكر القدرة عثيب الاختراع وذكر الأشياء الغريبة.
* (وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه) * ظاهر اللفظ أن جميع اليهود والنصارى قالوا عن جميعهم ذلك وليس كذلك، بل في الكلام لف وإيجاز. والمعنى: وقالت كل فرقة من اليهود والنصارى عن نفسها خاصة: نحن أبناء الله وأحباؤه، وقالت اليهود: ليست النصارى على شيء، وقالت النصارى: ليست اليهود على شيء. والبنوة هنا بنوة الحنان والرأفة. وما ذكروا من أن الله أوحى إلى إسرائيل أن أولادك بكرى فضلوا بذلك. وقالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، لا يصح. ولو صح ما رووا، كان معناه بكرا في التشريف والنبوة ونحو ذلك. وجعل الزمخشري قولهم: أبناء الله، على حذف مضاف، وأقيم هذا مقامه
(٤٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 460 461 462 463 464 465 466 467 468 469 470 ... » »»